close menu

العثور على 1500 نص عربي قديم في جبال نجران

العثور على 1500 نص عربي قديم في جبال نجران
المصدر:
الشرق الاوسط

أكد أكاديمي سعودي أنه عثر في منطقة نجران على عدد كبير من النقوش المدونة بالقلم المسند الذي كتبت به الممالك العربية القديمة في جنوب الجزيرة العربية، وذلك لقرب منطقة نجران من حواضر تلك الممالك، والملاحظ في معظم هذه النقوش أنها قصيرة وأغلبها أسماء أعلام، كما تستخدم فيها الخطوط الفاصلة بين الكلمات، وتوجد هذه النقوش في أحيان كثيرة وإلى جانبها رسوم حيوانية.

وكشف الدكتور سالم بن طيران، عضو هيئة التدريس بقسم الآثار ووكيل كلية السياحة والآثار للدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة الملك سعود، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن عدد النصوص العربية الجنوبية القديمة (نصوص المسند) التي أمكن حصرها من منطقة نجران حتى الآن بلغ نحو 1500 نص موزعة في مواقع مختلفة، من أهمها موقع الأخدود الأثري ووادي حاجة وجبال الكوكب وجبال النظيم وآبار حمى وجبل عان جمل وجبل عان ذباح وجبل الحصينية، ومن أهم نقوش المسند في منطقة نجران النقوش الحميرية في موقع الأخدود الأثري الذي يقع في قرية القابل جنوب وادي نجران، والذي يحتوي على مبان وأنقاض أثرية تحمل نقوشا معينية وسبئية، وقد بلغ عدد النقوش العربية الجنوبية القديمة (نقوش المسند) التي تم حصرها في الموسم الأول للمسح والتنقيب في الأخدود نحو 37 نقشا حجريا، إضافة إلى ذلك هناك ثلاثة نقوش حميرية سطرها أقيال الملك الحميري (يوسف أسأر يثأر)، وهذه النقوش الثلاثة مؤرخة جميعها بعام 633 حميري، أي نحو عام 518م، وتوجد في ثلاثة أماكن مختلفة؛ أحدها مجاور لآبار حما (Ja 1028)، بينما يوجد الآخر على جبل صيدح بمدخل حما (Ry 507)، أما الثالث فيوجد في الجهة الشرقية من جبال الكوكب إلى الشمال الغربي من ثجر (Ry 508) وعثر في موقع النصلة العليا بالمنطقة على نقشين كتبا بالخط الكوفي وإلى جوارهما نقش كتب بخط المسند والنقوش الثلاثة لشخص واحد اسمه طوق بن الهيثم، مما يؤكد أن الكتابة بخط المسند استمرت إلى فترة متأخرة بعد ظهور الإسلام وانتشاره في الجزيرة العربية واستخدم كلا الخطين العربي والمسند جنبا إلى جنب حتى أخذ الأخير بالتلاشي تدريجيا.

ونفى الدكتور سالم بن طيران أن يكون هناك وقت محدد لترجمة نص بخط المسند، مشيرا إلى أنه ينبغي أن يكون الشخص متخصصا في اللغات السامية والنقوش الكتابية القديمة، وعلى وجه الخصوص نقوش المسند والنقوش العربية الشمالية القديمة ونصوص المسند كغيرها من النصوص القديمة منها السهل ومنها الصعب ومنها القصيرة، وكذلك الطويلة، لذا فالمتخصص يمكن له أن يترجم بعض النصوص السهلة في فترة وجيزة في حين قد تأخذ منه ترجمة بعض النصوص الصعبة وقتا طويلا ربما يمتد لأسابيع أو أشهر عدة.

وقال طيران إن علاقة اللغة العربية بالنقوش علاقة وطيدة جدا، فالمسند خط دونت به لغة عرب جنوب الجزيرة العربية قبل الإسلام في فترة الألف الأولى قبل الميلاد، واستمر هذا الخط في الاستخدام إلى مجيء الخط العربي الحالي، وبعدها بدأ في التلاشي تدريجيا.

وبين الباحث أن النقوش الكتابية القديمة هي التعبير المادي الملموس الذي تركه لنا مجتمع الجزيرة العربية، أو من تعاملوا معه عن ممارساته في كل جوانب حياته، وعلى الرغم من عدم خلو هذه النقوش الكتابية من المبالغات والادعاءات أحيانا والغموض أحيانا أخرى، فإنها تعد المصدر الرئيسي لتصوير عادات أصحابها وعقائدهم وأوضاعهم الاجتماعية والسياسية وعلاقاتهم الخارجية بالأمم المجاورة لهم، لذلك فالنقوش الكتابية القديمة تضع دلالات عدة أمام من يروم معرفة مجتمع شبه الجزيرة العربية في الفترة السابقة للإسلام.

وذكر أنه من خلال دراسة واستنطاق مضامين النقوش الكتابية لعصر ما قبل الإسلام بجميع أنواعها (النقوش العربية القديمة، والمسمارية، والمصرية القديمة) نستطيع أن نشكل صورة واضحة الملامح لمجتمع الجزيرة العربية القديم قبل الإسلام، حيث تمثل تلك المعطيات شاهدا قويا على منجزات سكان الجزيرة العربية قديما وسجلا مفيدا لعاداتهم ومعتقداتهم.

وأكد بن طيران أن عرب جنوب الجزيرة العربية كانوا يتحدثون في الألف الأولى قبل الميلاد لغة عربية مكتوبة تنقش على الأحجار أو المعدن بخط أطلقوا عليه اسم «خط المسند»، لأنهم اعتادوا إسناد نقوشه المكتوبة على ألواح حجرية أو معدنية بشكل أفقي في مبانيهم الدينية والدنيوية، أو تحفر بخط تحريري مشتق من المسند على عسب النخل وأعواد الخشب يسمون كتاباتها «زبور حمير». وفكرة الكتابة بخط المسند مستمدة في الأصل من تلك الأبجديات الهجائية التي انتشرت في بلاد الشام وصحراء سيناء (الأبجدية الأوغاريتية والسينائية) خلال النصف الثاني من الألف الأول ق.م، إذ أدى اتصال عرب جنوب الجزيرة العربية بالأمم والشعوب في تلك المناطق إلى اطلاعهم على أبجدياتها الهجائية، فابتكروا على هديها خطا جديدا يتألف من تسعة وعشرين حرفا صامتا تكتب منفصلة عن بعضها بعضا وتمثل أشكالا هندسية غاية في الجمال والتناسق على شكل دوائر منتظمة وزوايا قائمة ومنفرجة، بالإضافة إلى وجود رمز آخر هو خط رأسي استخدم للفصل بين كلمات النصوص ولكل حرف من حروفه صوت قائم بذاته، أما أصوات حروف المد فمطروحة من رسمه، وقد تركز استخدام خط المسند في جنوب شبه الجزيرة العربية، ثم انتشر ليشمل جهات عمان ومناطق متفرقة من وسط شبه الجزيرة العربية وشرقها، إضافة إلى وجود أمثلة له في دادان (العلا) الواقعة في شمال غربي المملكة العربية السعودية.

وتعود أقدم نقوش خط المسند إلى القرن الثامن قبل الميلاد أو إلى فترة أسبق منه قليلا في حين يرجع أحدثها إلى القرن السادس الميلادي. وطريقة كتابة نصوص قلم المسند التي بلغ عدد المعروف منها ما يربو على عشرة آلاف نص من اليمين إلى اليسار، ما عدا بعض نصوص المرحلة المبكرة التي كتبت بأسلوب خط «سير المحراث»، أي بالتناوب فيكون اتجاه الكتابة في السطر الأول من اليمين إلى اليسار، وفي السطر الذي يليه من اليسار إلى اليمين، مما يؤدي إلى انعكاس الاتجاه في بعض الحروف كي يوافق اتجاه الخط، وأطلق المستشرقون على نقوش المسند تسميات مختلفة نحو «الحميرية» و «السبئية» و«السبئية المعينية»، ثم سموها «النقوش العربية الجنوبية القديمة»، ويفضل بعض الباحثين العرب اليوم تسميتها بالنقوش اليمنية القديمة.

وتبين أن لغة نقوش المسند تشمل أربع لغات هي السبئية والمعينية والحضرمية والقتبانية. وأدى ازدياد عدد النقوش المنشورة إلى إصدار دراسات مفصلة في لغة النقوش ومحتواها، إضافة إلى معاجم للسبئية والمعينية والقتبانية. وقد سيطرت لغة سبأ حتى بداية القرن الرابع الميلادي غربا من مأرب حتى مشارف تهامة وجنوبا حتى نواحي ذمار، ثم امتدت سيطرتها فيما بين القرنين الرابع والسادس الميلاديين على كل بيئات الثقافة العربية الجنوبية شرقا وغربا.

ومن الملاحظ أن معظم النقوش يمكن تصنيفها إلى نوعين؛ أحدهما النقوش النذرية التي تتحدث عن تقدمة معينة للمعبودات حمدا لما وهبت وأعطت أو شكرا على الرعاية والعناية أو وفاء لنذر، والآخر هو نقوش البناء التي تصف أعمال البناء أو الترميم أو التجديد للسدود والآبار والقنوات والصهاريج والأبراج وسواها، أما الأحداث والوقائع التاريخية، وكذلك المسائل الدينية، فإنها تذكر في ثنايا النقوش من الأنواع الأخرى.

واتضح أن نقوش المسند باختلاف لغاتها أو لهجاتها تشمل غالبا عدة عناصر تسير عادة على النحو التالي: اسم صاحب النقش، رجلا كان أم امرأة، وقد يشترك فيه اثنان أو أكثر كالأب وأبنائه، ثم نسبه، فهو فلان ابن فلان من عشيرة أو قبيلة فلان، يلي ذلك وظيفته، فهو ملك أو قَيْل أو شخص ذو مكانة عالية، ثم الغرض من كتابة النقش، فإن كان النقش نذريا فهو إهداء تمثال أو تقديم قربان للمعبود أو غير ذلك، وإن كان من نقوش البناء فهو حفر بئر أو إنشاء سد أو بناء صهريج أو ما شابه ذلك، وبعد ذلك شكر المعبود لما قدمه لصاحب النقش، ورجاؤه الحماية والعون منه، وأخيرا خاتمة النقش وهي الاستجارة والاستغاثة والاستعانة بالمعبود أو بمجموعة من المعبودات أو بالملك.

وأردف سالم بن طيران أن منطقة نجران تتمتع بكثير من المواقع والأماكن التي تنتشر بها الكتابات والنقوش والرسوم الصخرية، التي تعود إلى فترات تاريخية مختلفة.

ويرجع اكتشاف بعض المواقع الأثرية التي توجد بها كتابات ونقوش قديمة بمنطقة نجران إلى وقت بعيد، إذ تم اكتشاف بعضها بواسطة الرحالة الأوروبيين، ومنهم هاري سانت جون فلبي، وجونزاك وجاك ريكمنز، وليبنز، وألبرت جام وغيرهم، والبعض الآخر من تلك الكتابات والنقوش تم اكتشافها عن طريق بعض المواطنين المقيمين بالقرب من مواقع تلك النقوش والكتابات.

بيد أن الحصيلة الكبيرة من الرسوم والنقوش والكتابات القديمة جاءت نتيجة لمشروع المسح الأثري للمنطقة في مواسم عدة، من أبرزها الموسم الخامس (1410 هـ) الذي اشتمل على حصر وتسجيل الرسوم والنقوش الصخرية في المواقع من بيشة حتى الطائف. ثم قامت وكالة الآثار والمتاحف بمسح آخر لحصر وتسجيل النقوش والرسوم الصخرية في الموسم السادس (1411هـ)، وشمل المسح المناطق الرئيسية للنقوش والرسوم الصخرية جنوب غربي المملكة في كل من نجران، ووادي الدواسر، بالإضافة إلى تثليث، والمرتفعات الجبلية المتاخمة لها من الجنوب والشرق، وأظهر تقرير المسح أن هذه المنطقة تحتوي على كثير من المواقع التي تحتاج إلى مسح شامل ودقيق.

وتتألف الكتابات والنقوش القديمة في منطقة نجران من كتابات ونقوش محفورة في الصخر، بعضها بخط البادية المعروف بالثمودي، والبعض الآخر بخط المسند أو خط جنوب الجزيرة العربية القديم، إضافة إلى عدد كبير من الوسوم والرسوم الصخرية، وبعض الكتابات الإسلامية الكوفية المبكرة، وعدد قليل جدا من الكتابات المكتوبة بالخط النبطي. وفي كثير من الأحيان يشاهد المرء على واجهة الصخرة الواحدة عددا من النقوش الثمودية والسبئية، وأحيانا نقوشا إسلامية كوفية، كما توجد نقوش مكتوبة بالخط المسند والخط الكوفي على صخرة واحدة، إضافة إلى ذلك توجد نقوش مسندية فوق نقوش ثمودية.

أضف تعليقك
paper icon
أهم المباريات