ما كادت أول مجموعة من المراقبين التابعين للامم المتحدة تطأ أقدامها على الاراضي السورية في الاسبوع الماضي حتى بدأ خصوم بشار الاسد يتناقشون في احتمال فشل المهمة ويحذرون من اجراءات عقابية ضد الرئيس السوري.
وقال أمير قطر ان نسبة صمود الهدنة في سوريا لا تتجاوز ثلاثة في المئة بينما شكك مسؤولون امريكيون وهم يشيرون الى مواصلة الجيش السوري قصف معاقل المعارضة فيما اذا كان هناك أي جدوى أصلا من ارسال مزيد من المراقبين الدوليين الى هناك.
وقالت فرنسا انها لا تثق في وقف اطلاق النار لان الاسد غير صادق كما ان الامين العام للامم المتحدة بان جي مون قال ان سوريا لم تبد بعد التزامها بالسلام.
لكن رغم الشكوك بشأن الوقف الجزئي لاطلاق النار والمشاحنات المطولة لترسيخ بعثة مراقبة يعتد بها يعلم منتقدو الاسد ان الاليات الاخرى المتاحة امامهم لانهاء العنف في سوريا محدودة.
والنفوذ الدبلوماسي لهؤلاء المنتقدين - الذين مازالوا عازفين عن التفكير في القوة العسكرية ويواجهون معارضة روسية وصينية لان تفرض الامم المتحدة عقوبات على دمشق - محدود لدعم تصريحاتهم الصاخبة ضد الرئيس السوري.
وبدأ سريان الهدنة التي توسط فيها المبعوث الدولي كوفي عنان في الاسبوع الماضي. ويقول ناشطون ان سوريا انتهكت الهدنة بقصف حمص ومعاقل اخرى للمعارضة فضلا عن احجامها عن سحب الاسلحة الثقيلة من المدن.
وتقول الحكومة ان المعارضين نفذوا ثلاثة تفجيرات كبيرة على الاقل وقتلوا عشرات الاشخاص.
وصرح جوليان بارنز-ديسي من المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية بقوله "رغم انهم متشائمون بشأن احتمال النجاح فانه يوجد اجماع متنام على ان الوسيلة الوحيدة الاخرى للاطاحة بالاسد في المدى القصير هي تدخل عسكري تعارضه بقوة معظم الاطراف."
واضاف "لست مقتنعا بأن لدى الولايات المتحدة واوروبا الاستعداد لالغاء هذه المهمة واعلان فشل خطة عنان بالكامل دون وجود مسار بديل."
ووصف اجتماع "أصدقاء سوريا" الذي عقد في باريس يوم الخميس خطة عنان للسلام بأنها "أمل أخير" لتجنب اندلاع حرب أهلية شاملة بعد 13 شهرا من الاضطرابات التي تقول الامم المتحدة ان قوات الاسد قتلت خلالها 9000 شخص على الاقل.
ودعت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون مجلس الامن التابع للامم المتحدة لاعداد قرار بعقوبات تشدد الضغوط على الاسد كي يلتزم بوقف اطلاق النار ويوافق على ارسال بعثة مراقبة كافية.
لكنها قالت ان أي قرار مقترح لفرض عقوبات في هذه المرحلة ستعرقله على الارجح موسكو التي لها علاقات عسكرية وثيقة مع حكومة الاسد والتي استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشروعي قرارين في السابق ضد دمشق مع الصين.
وقال بارنز-ديسي "انني متشكك فيما اذا كانت توجد خطة (ب) قابلة للتطبيق من حيث عرض ذلك على مجلس الامن."
وأضاف "المعارضة الروسية ستكون عقبة امام ذلك."
وبينما تهدف التحذيرات الغربية والعربية الى مواصلة الضغوط على الاسد كي يلتزم بوقف اطلاق النار فان سيل التصريحات المتشائمة ربما يقوض البعثة قبل ان يكتمل تشكيلها وتشرع في عملها.
وقال دبلوماسي غربي في المنطقة "من المؤسف ان بعض الدول لم تدعم الخطة تماما." وأضاف "اذا قلت ان فرصتها ثلاثة بالمئة فان ذلك يقلل بدرجة أكبر من احتمالات النجاح."
وصرح وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل - الذي دعا مع قطر الى تسليح المقاتلين المعارضين للاسد وتمويلهم - في باريس بقوله انه مادام العنف مستمرا فانه يتعين على القوى الخارجية على أقل تقدير ان تساعد السوريين في الدفاع عن انفسهم.
لكن مثل القوى الاخرى التي شملتها ازمة سوريا وتضم ايضا تركيا فان الدول الخليجية ربما لا تتمكن من ان تقرن تصريحاتها القوية بأفعال فيما يترك خطة عنان لوقف اطلاق النار الخيار المتاح الوحيد.
وقال شاشانك جوشي الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (روسي) انه "في ضوء الغياب الكامل لاي رغبة من جانب الولايات المتحدة في التدخل وعدم استعداد تركيا للتدخل ما لم يتم ذلك بقيادة امريكية واوروبية والمؤشرات الواضحة على موقف السعودية مع نقص أي متابعة حقيقية فانني لا أرى الهدف الاستراتيجي لتقويض اتفاق عنان."
ومن منظور سوريا فان الاسد قد يكون لديه اهتمام قوي لضمان سريان وقف اطلاق النار.
والاتفاق الذي تم التوصل اليه في الاسبوع الماضي بين الامم المتحدة وسوريا يشمل مطالب محددة من المعارضين السوريين والحكومة مما يجعل المسؤولية مشتركة في وقف اراقة الدماء.
ويمثل ذلك انجازا دبلوماسيا للسلطات في دمشق التي تقول انه منذ بدء الانتفاضة ضد الاسد فانهم يخوضون معارك ضد متشددين يدعمهم اجانب.
كما تقدم الهدنة فرصة للاسد لاعادة تجميع الجيش وقوات الامن بعد اسابيع من الهجمات ضد معاقل المعارضة في دمشق وحمص وادلب ودرعا. ومع التسبب في معاناة كبيرة لسكان مستهدفين فان تلك الهجمات ربما استنفذت ايضا نفسيا وحداته الخاصة.
وقال جوشي "انها تضعف معنويا القيام بعمليات ضد المعارضة وقصف المناطق العمرانية ونشر قوات بعيدا عن ثكناتها." وتابع "انها تضيف ضغوطا هائلة على القوات المسلحة. ولديه عدد محدود جدا من الوحدات الخاصة المتاحة ولذلك توجد فوائد لاستراتيجيته العسكرية من وقف اطلاق النار."
لكن توقف اراقة الدماء سيوفر ايضا فرصة لخصوم الاسد ويسمح للمجموعات المسلحة بتعزيز وتشجيع المحتجين على العودة الى الشوارع.
وقال جوشي "أعتقد (ان الاسد) لديه كل اهتمام ببعثة المراقبة لكنه يهتم ايضا بضمان الا تصبح البعثة كبيرة بدرجة كبيرة ولها قدرة كبيرة على التنقل أو ان تصبح فعالة بدرجة كبيرة."