حذر باحثون من تلوث المياه الجوفية في السعودية بالمواد الهيدروكربونية السامة، التي قد تنجم عن تسرب وقود من خزانات نحو 3500 محطة من بين 14 ألف محطة وقود في السعودية.
وعزا الباحثون ذلك إلى أن تلك المحطات لا تحتوي على مصائد للزيوت والشحوم، ولم يُجرَ لها تقييم بيئي قبل إنشائها، ما يمثل أضرارا جسيمة على صحة المواطنين والعاملين والبيئة المحيطة بها، مؤكدين أن نسبة تلك المحطات تبلغ نحو 25 في المائة، وتم بناؤها على أيدي مقاولين غير متخصصين.
وقال كل من الباحثين بسام الطوابيني من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وعلي القحطاني من إدارة الدفاع المدني: إن عديدا من محطات بيع الوقود في المملكة أقيم منذ مدة طويلة وبشكل عشوائي دون مراعاة لكثير من الأمور التصميمية والتنظيمية ودون إشراف أو مراقبة لأداء هذه المحطات، وأوضحا أنه من المحتمل أن يكون كثير من خزانات الوقود الأرضية التابعة لبعض هذه المحطات قد تجاوز عمره الافتراضي ولم يتم استبداله من قبل أصحابها منذ تاريخ إنشائها، ما يجعلها تتسبب في تلويث المياه الجوفية والتربة نتيجة تسربات الوقود من الخزانات الأرضية القديمة، إلى جانب تراكم المخلفات الصلبة والسائلة كالزيوت والشحوم وتصاعد الأبخرة الضارة المتطايرة من الوقود.
وذكر الباحثان في دراسة حملت عنوان (التلوث البيئي الناتج عن محطات بيع الوقود في مدينة الدمام)، أن أكثر من 30 في المئة من محطات الدمام تم إنشاؤها قبل 19 عاماً، وأن الغالبية العظمى من المحطات القديمة لم تخضع لعمليات تحديث أو استبدال للخزانات الأرضية، ما يشير إلى احتمال حدوث مشكلة التسرب نظراً لتجاوز هذه الخزانات عمرها الافتراضي.
من جهتها، كشفت الباحثة السعودية دينا إبراهيم موصلي، عن خطورة وقود السيارات على العاملين في محطات الوقود ومرتاديها ومن يسكن حولها، وما تؤدي إليه المادة البديلة لمادة الرصاص من تسمم وتليف رئوي.
وتوصلت الباحثة في دراستها لنيل درجة الماجستير من كلية العلوم في جامعة الملك عبد العزيز بعنوان ''دراسات نسيجية وتركيبية دقيقة على التغيرات المستحدثة في كبد ورئة ذكور الفئران بوقود السيارات''، إلى توصيات طالبت بتنفيذها لحماية المجتمع من مخاطر مادة MTBE المؤكسدة، منها: إنشاء محطات البنزين في مناطق غير مأهولة بالسكان، وعدم السماح بوجود أماكن لبيع المأكولات والمشروبات، التي تتمثل عادة في المشروبات والمأكولات السريعة والخفيفة بجانب محطات التعبئة، وذلك لتطاير الهيدروكربون بشكل سريع، الذي يؤدي بدوره إلى تلوث الغذاء المبتلع بالوقود بطريقة غير مباشرة، إصدار قرار باعتماد نظام التعبئة الذاتية الذي يعتبر أقل ضرراً من التعرض اليومي لاستنشاق الوقود، والتوعية الصحية للعاملين في محطات تعبئة الوقود بمخاطره وتأثيراته السامة في أعضاء الجسم استنشاقاً وملامسة.
مفتشون بيئيون
لمتابعة المحطات
وفي إطار الجهود المبذولة لتجنب الآثار السلبية في البيئة والصحة العامة، التي قد تتولد من محطات تزويد السيارات بالوقود والغسيل والتشحيم، أوضحت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة أنها تنفذ برنامج التفتيش البيئي على محطات الوقود وذلك للحد من التسريبات من محطات الوقود ومحال التشحيم إلى باطن الأرض وتأثيرها في المياه الجوفية والتربة، مبينة أنها الجهة المختصة بالمهام التي من شأنها المحافظة على البيئة ومنع تدهورها وتطوير وسائل الرصد وأدواته والتأكد من الالتزام بالأنظمة والمقاييس.
وأكدت الرئاسة أن عدد محطات الوقود في المملكة يبلغ نحو 14 ألف محطة، لذلك يتم تقسيم المفتشين حسب الأماكن. كما أن الرئاسة تعد حاليا دراسة لإحصاء عدد المفتشين بحيث يرافقهم مفتشون بيئيون للتفتيش على كل منشآت المحطة وصحة البيئة. كما سيتم تأهيل المفتشين ليكونوا على دراية كاملة بكل شيء يتعلق بعدم الضرر بالناس وعدم الضرر بمصلحة المحطة، من أجل تلبية كافة حاجات الناس حيث باستطاعة أي مواطن الإبلاغ عن أي مخالفة بيئية في المملكة، حيث سيتم توقيع عقوبات على المخالفين إذا ثبت ذلك.
تطبيق المواصفات القياسية
وتؤكد الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة أن أهم الضوابط التي يجب على أصحاب محطات الوقود الالتزام بها هي تطبيق المواصفات القياسية السعودية واللوائح الفنية التي أصدرتها الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، مثل إجراءات وشكل تقرير الاختبار لتقييم النموذج لمضخات توزيع وقود المركبات، كما أصدرت الهيئة مواصفة متطلبات الأمان في محطات خدمة السيارات، وقد تضمنت تلك المواصفة عديدا من المتطلبات الخاصة مثل الإنشاء والمواد والخزانات والأنابيب وملحقاتها والتركيبات الكهربائية، واحتياطات الأمان الواجب مراعاتها أثناء تشغيل المحطة وتفريغ السيارة ذات الصهريج واحتياطات ضد الحريق وتنظيم حركة السيارات وتوزيع الوقود والسجل العام الذي يجب وجوده في كل محطة.
وتشير الهيئة إلى اشتراطات عامة أخرى يجب التقيد بها، ومن أهمها ضرورة إطفاء المحرك وعدم التدخين أو إشعال السجائر أثناء تعبئة السيارات بالوقود، وإغلاق خزان الوقود بشكل محكم، ووضع لوحات إرشادية بعناصر السلامة التي يجب التقيد بها وتوفير وسائل السلامة مثل الطفايات والصيانة الدورية، وعن الإجراءات العقابية بحق المخالفين للأنظمة واللوائح، مبينة أنه في حال مخالفة الضوابط وعدم تطبيق هذه المواصفات القياسية فإن الجهات الرقابية والتنفيذية المتمثلة في وزارة التجارة والصناعة وغيرها من الجهات الرقابية تتولى تنفيذ العقوبات المقررة نظاماً، مؤكدة أن نقص الخدمات وعدم توافر النظافة في بعض المحطات ليس من اختصاص الهيئة وإنما هو اختصاص عدد من الجهات الأخرى مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة النقل وغيرها.
تطمينات الدفاع المدني
إلى ذلك، طمأن العقيد محمد بن يحيى الزهراني مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة الأحساء، السكان القريبين من محطات الوقود بأنها لا تشكل أي خطورة عليهم، مبيناً أنه لا يتم منح ترخيص إقامة محطات الوقود في داخل المدن أو خارجها إلا بعد موافقة جميع الجهات المعنية سواءً الأمانة أو الدفاع المدني أو إدارة الطرق ''الخطوط السريعة'' أو وزارة الزراعة ''النطاق الزراعي'' وتضع كل جهة اشتراطاتها لما يحقق مصلحة المواطن والمستثمر.
وأوضح أنه من الصعب جداً إلغاء أو تلافي فكرة وجود محطات الوقود داخل المدن في الأحياء السكنية لكونها مطلبا ضروريا للجميع، حيث إنه إذا روعي توافر اشتراطات الأمن والسلامة فيها فإنها لا تشكل أي خطورة على المجاورين لها، مبيناً أن بعض محطات الوقود ينشأ أولاً في مواقع غير مأهولة بالسكان ثم تزدحم المنطقة بالسكان لاحقا وتصبح تلك المحطات داخل الأحياء، موضحاً أنه ليس هناك ما يمنع من إنشاء محطات الوقود داخل الأحياء السكنية طالما أن الشروط الخاصة بالإنشاء تم توفيرها كاملة.
وحول الخطط المعمول بها أثناء حدوث حرائق كبيرة في محطات الوقود -لا قدر الله- أشار العقيد محمد الزهراني إلى وجود تنسيق عال وتعاون مستمر مع الجهات ذات العلاقة كافة، حيث تقوم كل جهة بأدوارها ومهامها التي حددت لها في نظام الدفاع المدني، مبيناً وجود خطط فرضية مستمرة طوال العام للتأكد من إلمام العاملين لدينا وفي تلك الجهات بأدوارهم ومهامهم وتقييم الأخطاء والملاحظات لتلافي الوقوع فيها عند مباشرة الحوادث الفعلية حال حدوثها، مؤكداً أن فرق الدفاع المدني تستطيع الوصول إلى المواقع مع توافر خطط بديلة للتعامل مع المتغيرات الزمنية والمكانية.
من جانبه، أوضح سعود فضل الفضل عضو مجلس إدارة غرفة الأحساء أن الصورة الحالية لمحطات الوقود ومراكز الخدمة على الطرق السريعة وما تشهده من تدنٍّ في مستوى الخدمات لا تعطي الصورة الإيجابية المعروفة عن المملكة، مؤكداً ضرورة تغيير واقع محطات الوقود ومراكز خدمات السيارات لتصبح واجهة حضارية تعكس حقيقة ومكانة المملكة على الصعيد الاقتصادي، لتواكب ما يشهده العالم من تطوّر وحداثة في خدمات مثل هذه المرافق الضرورية.
وشدد الفضل على أهمية تغيير الواقع الحالي لمحطات الطرق السريعة، لما لذلك من تأثيرات سلبية في مكانة المملكة واقتصادها الوطني وفي الحركة التجارية والسياحية، خصوصاً أن المملكة تعتبر مقصداً لكثير من الزوار من مختلف أنحاء العالم خلال المواسم الدينية كالحج والعمرة وغيرهما، موضحاً أن وجود ما يزيد على 170 ألف كيلو متر من الطرق المميزة في المملكة، وكذلك انخفاض نسبة السعودة في هذه المحطات، يعزز من قيمة وجدوى الاستثمار في هذا المجال، إضافة إلى أن النسبة العظمى من هذه المحطات تشغّل بشكل فردي من دون أي معايير.
تجاوزات وسوء خدمات
وقال الفضل: إن النظرة الميدانية لأوضاع هذه المحطات تكشف عن تجاوزات واختلالات كبيرة من حيث نقص المرافق وسوء الصيانة، على الرغم مما تدره من إيرادات ضخمة لمالكيها، إضافة إلى وجود ظاهرة التستّر التجاري والغش في المنتجات والخدمات التي تقدمها للمستهلكين والمسافرين، مثل بيع الإطارات المستعملة وغيرها.
وأضاف عضو مجلس إدارة غرفة الأحساء: إن تشكيل لجنة خاصة لمحطات الوقود ومراكز الخدمة على الطرق السريعة مطلب ملح وضرورة أملتها أهمية هذا القطاع الحيوي، ولكونها أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، ونظراً إلى توافد الملايين عليها من كل دول العالم وبشكل مستمر، فإن المصلحة العامة تقتضي الارتقاء بشكل أكبر بمستوى مراكز خدمة السيارات ومحطات الوقود واستراحات الطرق وخدمات المسافرين.