لا شيء يشغل الناس في فصل الصيف من كل عام مثل تأمين المياه المحلاة، الرياض العاصمة كانت أولى المناطق التي اكتوت مبكرا بانقطاعات المياه قبل أن تتحرك وزارة المياه والمؤسسة العامة للتحلية في احتواء الأزمة وضخ كميات كافية من مياه الشرب للعاصمة تضج بالحركة ليل نهار وتشهد نموا سكانيا هائلا.
الأمن المائي، التخصيص، المشاريع المستقبلية، الخطط الدقيقة لتوفير مياه الشرب، الخزن الاستراتيجي، الإنتاج المزدوج، مشروع رأس الخير، وغيرها كانت محاور حديثنا مع محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه الدكتور عبدالرحمن بن محمد آل إبراهيم، الذي جزم بأن فصل الصيف هذا العام سيمر بدون انقطاعات، وأن كل محطات التحلية في القطاعين الشرقي والغربي من البلاد خضعت لصيانة عاجلة ودقيقة ستؤدي إلى استمرار ضخ المياه دون توقف.
آل إبراهيم أوضح أن خادم الحرمين الشريفين دعم المؤسسة ماليا بشكل غير مسبوق، مقدرا المشروعات الجاري تنفيذها حاليا أو التي في مراحل الترسية الأخيرة بأكثر من 80 مليار ريال، وهو ما يعني توفير المياه المحلاة للأجيال المقبلة بكميات كافية، أسئلة ساخنة .. إجابات شفافة تجدونها في الحوار :
• أبدأ حديثي معك عن فصل الصيف والطلب المتزايد على المياه، إلى أي حد أنتم جاهزون لتأمين المياه المحلاة للمواطنين وبكميات كافية؟.
• حريصون أن تكون محطات التحلية في كل المواسم، في الصيف مثلا أو في مواسم رمضان والحج على أهبة الاستعداد لتوفير المياه التي يحتاج لها المواطنون والزوار، قبل دخول الصيف أخضعنا محطات جدة، والشعيبة 3 لمشاريع صيانة شاملة وكبيرة لضمان استمرار التدفق اليومي من المياه، كما أخضعنا محطات الساحل الشرقي في الجبيل لصيانة شاملة ودقيقة.
محطات الساحل الغربي التي تضخ المياه لمحافظة جدة جاهزة تماما لإنتاج 1.1 مليون متر مكعب يوميا من المياه العذبة، وهي كمية تفي بالاحتياج وفقا للدراسات الدقيقة، وهناك كميات كبيرة تضخ أيضا لمكة المكرمة والطائف تفي بالغرض، كما أن خزانات المياه الاستراتيجية مملوءة بالكامل بالمياه لتلبية أي طلب أو عند انقطاع أو توقف الضخ لأي طارئ، يجب أن يطمئن الجميع أن المياه في هذا الصيف كافية ولا نتوقع أي نقص في الإنتاج أو الإمداد بإذن الله تعالى، كما أن لدينا استعدادا من الآن لضخ كميات كبيرة من المياه لمكة المكرمة والمدينة المنورة لشهر رمضان المبارك ولموسم الحج أيضا، نحن نستشرف المستقبل وفق خطط دقيقة جدا، ونثابر من أجل تأمين المياه اللازمة.
الرياض مبكراً
• ولكن هناك أزمة أطلت مبكرا وضربت العاصمة الرياض، نقص في الإمداد.. والمؤسسة أقرت أن الصيانة التي شهدتها محطات الجبيل وراء المشكلة التي تلاشت سريعا؟.
• البيان الصحافي الذي أصدرته المؤسسة فسر بشكل خطأ، كونه كتب مختصرا، يجب أن يعرف الجميع أن المياه التي تصل إلى العاصمة الرياض عبر خطوط التحلية مصدرها محطات التحلية في الجبيل التي تنتج قرابة 1.50 مليون متر مكعب يوميا، وتتجه هذه المياه إلى العاصمة والقصيم والجبيل والزلفي والمناطق المحيطة بها.
بكل صدق ومسؤولية الكميات النظامية المخصصة للعاصمة وفقا للاتفاقيات المبرمة مع شركة المياه الوطنية هي 840 ألف متر مكعب يوميا، خلال الفترة الماضية وحتى أثناء فترة الصيانة للمحطة كان الضخ للعاصمة عند هذا الحد، ولم يقل عن 840 ألف متر مكعب، صحيح أننا عوضنا النقص الناتج بسبب الصيانة عن طريق اللجوء إلى الخزن الاستراتيجي الموجود في المحطات أو في الخزانات المنشأة على مشارف الرياض، أكرر أن الضخ لم يقل عن هذا الحد.
• إذا كان الأمر كما تقول، ما تفسيرك لما حدث؟.
• هناك طلب متزايد على المياه مع دخول الصيف، ولهذا قررت المؤسسة رفع كمية المياه المخصصة للعاصمة من 840 ألف متر مكعب إلى 950 ألف متر مكعب بزيادة تفوق 90 ألف متر مكعب، وهذه كمية كافية.
• هل كان هذا على حساب الكميات المخصصة لمناطق أو مدن أخرى.
• بالتأكيد لا، أعدنا الجدولة ورشدنا الاستهلاك في أماكن أخرى، وزدنا قدرات وفاعلية المحطات، الكميات الإضافية بلغت أكثر من 10 %، ولا نتوقع مطلقا حدوث أزمة مياه في العاصمة الرياض خلال هذا الصيف.
الخزن الاستراتيجي
• وماذا لو حدث تعطل آخر لأي من المحطات هل ستعيش الرياض أزمة مياه؟.
• أولا، لدينا نحو 20 وحدة تعمل كل واحدة بطريقة منفصلة عن الأخرى ولا نتوقع أن تتوقف فجأة ولم يسجل طوال تاريخ المؤسسة أن توقفت هذه المحطات جميعها، وثانيا، لدينا خزن استراتيجي يكفي لإمداد الرياض بالمياه لمدة أربعة أيام فيما لو توقفت المحطات عن عملها بالكامل.
• ما هي خطتكم المقبلة في ظل النمو السكاني الكبير، والطلب المتزايد على المياه؟.
• عزيمة المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة قوية لزيادة كميات المياه المنتجة ورفع قدرات الإنتاج، لدينا فرص عديدة لرفع قدرات الإنتاج، والترشيد لا يعني مطلقا نقص كميات المياه المنتجة، نحن نعي جيدا ماذا يعني الماء للإنسان، وبالتالي لا مجال للتهاون في كميات المياه المنتجة، لدينا تعاون كبير مع شركات المياه الوطنية لكي نتمكن من الموازنة بين العرض والطلب وفق دراسات ناضجة وعميقة ودقيقة.
الكهرباء دائمة
• في فصل الصيف أيضا، تسجل الكهرباء انقطاعات عن بعض المدن، أعرف أن محطات التحلية ذات الإنتاج المزدوج تدفع بكميات من الكهرباء في الشبكة.. هل الكميات كافية؟.
• كميات الكهرباء من محطات الإنتاج المزدوج ستكون كافية، مؤسسة التحلية هي المؤسسة الثانية بعد شركة الكهرباء التي تضخ الكهرباء في الشبكة العامة ويبلغ إنتاجنا 17 % من حجم الطاقة الكهربائية المستهلكة، والغرض من هذا الإنتاج المزدوج هو استثمار المحطات وعدم البقاء على الإنتاج الأحادي، لا سيما أن هناك طاقة قد لا يمكن استغلالها في التحلية، وهو ما يحدث.
• هناك لجنة تدرس هذه الأيام إمكانية إنشاء محطة خاصة تؤمن المياه لمحافظة الباحة.. إلام خلصت اللجنة؟.
• المؤسسة العامة لتحلية المياه حريصة أن تصل بالماء المحلى إلى أماكن كثيرة رغم الصعاب التي تمر بها، في منطقة الباحة لدينا مشروع جبار لنقل المياه من الطائف إلى الباحة عبر الأنابيب، ونتوقع في نهاية العام المقبل عن طريق خزانات الشعيبة في الطائف، لدينا لجنة رفيعة المستوى تدرس احتياجات جميع المدن والمناطق من المياه، وتحديد المحطات وقربها لمصادر المياه والضخ.
المحطات الصغيرة
• هل أفهم من هذا أن لدى المؤسسة خيار إنشاء محطات صغيرة بتكلفة أقل لتأمين المياه للمناطق أو المدن ذات العدد السكاني المتوسط؟
• يجب أن يدرك الجميع أن المحطات الصغيرة تكلفة الإنتاج فيها عالية جدا، والاستخدام متدن، وكلما كبرت المحطة كانت التكلفة أقل والإنتاج أعلى وهذا هو التوجه المقبل للمؤسسة، مع ملاحظة أن بعد المحطة عن المناطق يعني تكلفة إضافية لشبكات النقل وهو ما تتم دراسته بدقة متناهية ليكون هناك توازن بين إقامة المحطات وخطوط النقل والمستفيد النهائي من هذه المياه.
جميع المختصين الفنيين والاقتصاديين يجمعون على أهمية تكبير المحطات الخاصة بتحلية المياه، وأنه الخيار الأمثل بدلا من المحطات الصغيرة، لكن المحطات المركزية هي الأفضل، وسيكون هناك توازن وستبقى المحطات الصغيرة المتناثرة مثلا في ضباء، حقل، الوجه، رابغ، وفرسان في مكانها وستعمل بطاقتها لأن إنشاء شبكة لنقل المياه مكلف جدا.
80 ملياراً بدعم الملك
• كم حجم المشاريع الجاري تنفيذها حاليا، وهل تعاني المؤسسة من أي تعثر في هذه المشاريع؟.
• المشاريع الجاري تنفيذها أو التي في مراحل الترسية النهائية تبلغ نحو 25 مليار دولار أي ما يفوق 80 مليار ريال، وهذا بدعم كبير من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين، الذين يحيطون المؤسسة بكل رعاية ودعم واهتمام وهذه المشاريع ستدخل الخدمة بإذن الله وستكون عامل أمان لتوفير الأمن المائي للمواطنين.
• هل لديكم أي تقديرات بحجم الإنفاق في السنوات المقبلة؟.
• الدراسات الموجودة تشير إلى أن المملكة ستنفق خلال الـ 20 عاما المقبلة ما يزيد عن 300 مليار ريال على مشاريع المياه، وهذا سيضاعف قدرة المؤسسة على إنتاج كميات إضافية من المياه، حيث إن المؤسسة تنتج الآن 3 ملايين متر مكعب من المياه المحلاة يوميا، وسيقفز إنتاجها بحلول عام 2015 إلى نحو 5.7 مليون متر مكعب من المياه.
الرواتب لا تلتهم الميزانية
• هناك حديث كبير عن أن الرواتب تلتهم جزءا غير قليل من ميزانية المؤسسة؟.
• بالتأكيد لا، فمشاريع المؤسسة مكلفة وميزانية المؤسسة هذا العام تجاوزت 15.4 مليار، هناك مشاريع يجري تنفيذها بأكثر من 11 مليار ريال، وبند الرواتب وغيره من المصروفات لا يتجاوز 800 مليون ريال. من ضمن المشاريع الجاري تنفيذها محطة رأس الخير لتحلية المياه المالحة وتوليد الطاقة الكهربائية، وخطوط نقل المياه المنتجة من هذا المشروع إلى الرياض وحفر الباطن والنعيرية وكذلك مشروع خطوط نقل المياه من ينبع إلى المدينة المنورة وعدد آخر من المشاريع، وكذلك لمشاريع جديدة سيتم طرحها قريبا إن شاء الله، يأتي في مقدمتها مشروع المرحلة الثالثة لمحطات تحلية المياه المالحة وتوليد الطاقة الكهربائية ينبع المدينة المنورة بطاقة 550 ألف متر مكعب من المياه المحلاة و 2500 ميجاواط من الكهرباء.
رأس الخير الأكبر
• أسالك هنا عن المراحل التي قطعها مشروع رأس الخير الذي يعد الأكبر من نوعه على مستوى العالم؟.
• مشروع رأس الخير يجري العمل على إنجاز البنية التحتية، وهو مشروع جبار، وهذا المشروع سيفي باحتياجات المياه للعاصمة الرياض وكذلك الكهرباء لمدينة رأس الخير الصناعية، واحتياجات مصانع رأس الخير وشركة معادن وشركة الألمونيوم، المحطات يتم تركيبها وتشبيكها لتعمل وحدات متكاملة، أنجزنا الآن نحو 50 % من هذا المشروع.
نتوقع في منتصف أبريل المقبل يبدأ إنتاج الطاقة الكهربائية من محطة رأس الخير، وسيتبع ذلك توفر البخار لإنتاج التحلية مع مشارف العام المقبل، من ضمن التفاصيل المعقدة لهذا المشروع أن الإنتاج سيبدأ أثناء العمل ولن ننتظر حتى الانتهاء من بناء كامل المحطة، مع ملاحظة أن تكلفة مشروع رأس الخير مع خطوط نقل المياه المحلاة من المحطة تبلغ 25 مليار ريال، ويبلغ طول خطوط نقل المياه الإجمالي 1290 كيلو مترا خطا مزدوجا. وتبلغ الطاقة الإنتاجية 1025000 متر مكعب من المياه المحلاة في اليوم و 2650 من القدرات الكهربائية، وتنفذ بطريقة الإنتاج المزدوج بطريقة التبخير الوميضي والتناضح العكسي لإنتاج الماء ووحدات مركبة من توربينات غازية وبخارية عالية الكفاءة لإنتاج الكهرباء
• وماذا عن مشروع ينبع، هناك تجربة طبقت الهدف منها زيادة القدرة الإنتاجية، هل كتب لهذه التجربة النجاح؟.
• محطة ينبع 3 دخلت تجربة زيادة كمية التوليد وقد نجحت، حيث تحقق زيادة من 29 % إلى 35 %، هذه الزيادة ستوفر وقودا يصل إلى نحو 8 مليارات ريال على مدى عمر هذه المحطة، دون أن يكون هناك أي تكلفة مالية أو إضافية على المؤسسة أو الدولة، وهذا يدعونا إلى التفكير بنظرة شمولية ولدينا عشرات الفرق تبذل جهدا لترفع القدرة الإنتاجية لجميع محطات التحلية وفي عموم المناطق، وهناك فرص أخرى مثل استغلال الطاقة المهدرة عند ارتفاع درجات الحرارة، وهناك استغلال الطاقة من مياه البحر الرجيع من الأملاح أو غيرها.
• دخل مشروع تخصيص المؤسسة العامة لتحلية المياه مراحل متقدمة، أنقل لك هاجس عشرات الموظفين أن يفضي بهم المشروع إلى ما لا يتمنون، هل من رسالة توجهها لشركائكم من أبناء المؤسسة؟.
• بكل أمانة ومسؤولية لن يضام أي موظف، ولن يضر أي موظف، التخصيص هو أحد الممكنات التي لا نستغني عنه لتعظيم الأصول والاستفادة الأمثل من كل الأصول وفي مقدمتها رأس المال البشري، والعمل على أسس تجارية والاستفادة من المحطات بشكل أمثل، التخصيص لن يقتصر على التشغيل والصيانة سنبحث كل الفرص الممكنة.
المشروع يسير بالشكل الأمثل وسيوفر مرونة أكبر للتعامل مع الموظفين ومنحهم ما يستحقون من المميزات والحوافز التي تشجعهم على الإبداع والتميز، مقابل التزامهم بإنتاجية أكبر مما كانوا عليه في الوقت السابق وهذا ما نأمله، أؤكد لجميع الموظفين أن التخصيص سيكون بوابة خير للجميع، ولكن حتى تستمر المؤسسة في توفير المياه لا بد من العمل على أسس تجارية وفق نظام التخصيص الجاري دراسته الآن لدى الجهات المؤهلة لتعمل بكفاءة أفضل وأشمل.
إعمار المحطات
• يتحدث مراقبون ومختصون عن انتهاء العمر الافتراضي لمحطات التحلية ما يعني أن الأمن المائي معرض للخطر فيما لو توقفت هذه المحطات فجأة.. إلى أين وصل مشروع إعادة الإعمار؟.
• نفذت المؤسسة دراسة شاملة على المحطات لتحديد كيفية الاستفادة من هذه الأصول الضخمة، وحددت الدراسة المحطات التي يمكن إعمارها بتكلفة معقولة وإنتاج المياه منها بكميات أكبر وبتكلفة أقل، كما حددت المحطات التي تحتاج إلى مبالغ كبيرة، ما يعني بناء محطات جديدة مكان هذه المحطات وهو ما يسمى إحلالا، الدراسة أوضحت أن نحو 50 في المائة من المياه المحلاة تأتي من محطات انتهى عمرها الافتراضي، وعلى ضوء الدراسة تم تنفيذ برنامج الإعمار الذي صرفت فيه المؤسسة 3 مليارات ريال، وأفضى هذا بفضل الله إلى إنتاج كميات أكبر من المياه بعد تطوير المحطات وتجديدها.