وضع الإيرانيون، أصابعهم وسط عُلب الحبر الزرقاء، التي تعبر عن فكرة الديمقراطية الكبرى، لكن ذلك قوبل بإنكارٍ دولي، بصرف النظر عن الحياة السياسية التي تعيشها الجمهورية الإيرانية الإسلامية.
وفرزت الانتخابات حجم الانقسام والتخوفات داخل المجتمع الإيراني، خاصة على مستوى قناعة الناخبين بجدواها ومدى نزاهتها، وكذلك التضييق على النساء اللاتي يمثلن تقريباً نصف الناخبين الذين يقدر عددهم بحوالي 61 مليون إيراني من أصل 85 مليوناً، مطلوب منهم التوجه إلى صناديق الاقتراع للتصويت في انتخابات الشورى واختيار أعضاء مجلس خبراء القيادة.
يحيط بالانتخابات عزوف أكثر من 50% من الناخبين
ويحيط بالانتخابات عزوف أكثر من 50% من الناخبين وهو ما يظهر من خلال الاستعداد الضعيف لمراكز الاقتراع التي تم من خلالها فتح 59 ألف مركز اقتراع في جميع أنحاء البلاد خصوصا في المدارس والمساجد.
ويبدو أن المرشد الإيراني علي خامنئي فهم منذ اللحظة الأولي أن نسب المشاركة لن تكون مرضية بالقدر الذي يجعلها تبدو وكأنها أكثر شرعية، فحاول التخويف من مسألة ضعف الحضور فيها قائلا: "الانتخابات القوية والحماسية إحدى ركائز الإدارة السليمة للبلاد، وإذا كانت الانتخابات ضعيفة فلن يستفيد أحد وسيتضرر الجميع".
وسبق أن شهدت الانتخابات التشريعية عام 2020 أدنى نسبة مشاركة منذ إعلان الجمهورية الإسلامية عام 1979، إذ لم يدل سوى 42,57 % بحسب نسب رسمية من الناخبين بأصواتهم خلال الاقتراع.
وتعد مسألة المشاركة في الانتخابات في إيران ذات أهمية كبرى خاصة أن السلطات تقدمها على أنها دليل لشرعيتها على الساحة الدولية في ظل التوترات الجيوسياسية، وهو ما عرج عليه خامنئي بالحديث عن أن المشاركة القوية في الانتخابات هي الضامن للأمن القومي، مضيفا: "إذا رأى العدو ضعفاً في الإيرانيين في مجال القوة الوطنية من نواحٍ مختلفة، فإنه سيهدد الأمن القومي".
يُتوقع أن يعزز الاقتراع قبضة المحافظين على السلطة في غياب البديل
ورغم أنه يشارك عدد قياسي من المرشحين في الانتخابات يبلغ 15200 مرشح، لكن لا يتوقع أن تغير هذه الانتخابات التوازنات داخل المجلس، حيث يُتوقع أن يعزز الاقتراع قبضة المحافظين على السلطة في غياب بديل لتستمر هيمنتهم الواسعة على المجلس الذي يشغلون حالياً أكثر من 230 مقعداً فيه من أصل 290.
ويتوقع بالفعل حسب رجال السياسة أن تؤكد هذه الانتخابات تراجع المعسكر الإصلاحي والمعتدل منذ انتخابات 2020، حيث لا يأمل هذا المعسكر سوى بحصد بعض المقاعد، خاصة أن الإصلاحيين والمعارضين يعتبرونها غير ديمقراطية وغير شرعية، وهو ما سينعكس على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعاني منها البلاد.
الإنكار يحيط الانتخابات بالفعل حتى قبل النظر في نسب المشاركة
وبعيدا عن الشأن الداخلي الذي يبدو أن الملايين فقدوا فيه الأمل خاصة مع عدم حل الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت مؤخرا وبشكل لافت، فإن المعضلة الأخرى هي نظرة المجتمع الدولي لتلك الانتخابات، ويبدو أن الإنكار يحيطها بالفعل من الآن وحتى قبل النظر في نسب المشاركة الحقيقية على الأرض أو ظهور النتائج.
ووجهت دوائر عالمية انتقادات للعملية السياسية، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر: "ليس لدي أي توقع بأن تكون الانتخابات الإيرانية حرة ونزيهة، وأظن أن عددا كبيرا من الإيرانيين لا يتوقعون أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة".
وأضاف: "لقد تم بالفعل استبعاد آلاف المرشحين في عملية غامضة، ويعرف العالم منذ فترة طويلة أن النظام السياسي الإيراني يتسم بأنظمة إدارية وقضائية وانتخابية غير ديمقراطية وغير شفافة".
وانعكس التخوف الدولي من مشهد الانتخابات على إعلان العديد من المنظمات الدولية مراقبة ما يجري في الانتخابات بحذر شديد.