هل سبق لكَ أن تخيلت كيف كان يُخزنُ التمر قديماً؟ ربما لم تتساءل من قبل هذا السؤال. وربما أيضاً تعاود السؤال ما جدوى ذلك؟ بيد أنه في ظل انعدام وسائل الحفظ والتبريد قديماً، ابتكر المزارعون في منطقة القصيم وسيلة تحافظ على جودة محصولهم والانتفاع به عبر بناء وتشييد ما يسمى بـ"الجصة"، ليحفظوا ثمارهم التي يجنونها لمواسم عدة.
الجصة تعد أشهر الطرق التاريخية لحفظ التمر، إذ يُرص بعضه فوق بعض بغرفة صغيرة يجري تشييدها من أجل تخزين التمور، يقارب ارتفاعها المترين، فيما يبلغ عرضها نحو المتر، في مقدمتها باب صغير، وتبنى من الأحجار والطين وتكسى من الداخل بطبقة الجص، ومن ذلك أخذت اسمها، فيما ترص التمور داخلها وقبل ذلك تُنظف بالماء وتغطى بجريد النخل، وأسفلها فتحة صغيرة تسمح بتدفق سائل الدبس الذي ينتج عن تراكم "التمر" داخل الجصة.
ولأهميتها في حياة الناس وخاصة القدامى، كان للجصة حضورها في الشعر الشعبي، إذ يقول الشاعر عبد الله الضويحي في قصيدته:
وباب الجصة مجافا
عقب ما كان بسكاره
عقب وقت مضى يا حول
صعيب فتح مسكاره
تتداول صحائف التاريخ الكثير من القصص حول "الجصة" غير أن الثابت فيها أن هذه الطريقة تعد الأمثل في ذلك الوقت للخزن الإستراتيجي لمحصول التمر، إذ يوفر المكان الذي في العادة يكون بداخل المنازل قديماً أسلوباً ناجعاً في مفهوم الأمن الغذائي.
تقول تلك الصحائف والسير إن أولئك الذين كانوا يبنون الجصة بناءون محترفون عارفون برصّ ألواح الصخور فوق بعضها مستخدمين الجص المحلي المستخرج من طحن الصخور الجيرية.
واستحضر مهرجان بريدة للتمور في نسخته الجارية أسلوب تخزين التمر قديماً عبر مساحاته المخصصة للعرض. من جهته، يؤرخ محمد الشويمان، فني مختبر في كلية الزراعة بجامعة القصيم، حالة انتشار الجصة، ويقول إنها طريقة قديمة لحفظ التمور في المملكة وأغلب الدول العربية، إذ تبنى بـ"الجص" بشكل مربع أو دائري في أحيان عدة بأحجام كبيرة أو صغيرة، إذ تخضع لمساحة المنزل.
يتابع الشويمان في حديثه إلى "أخبار 24": "توضع التمور بداخلها وبعدئذ تحفظ لمدة عام أو عامين وفي أحيان عدة لعشرين أو ثلاثين عاما، دون أن يطرأ على ثمرات التمر أي تغيير، وفي المقابل يتكون (الدبس) بداخل الجصة وبعدئذ يسيل إلى الفتحة صغيرة في أسفل الغرفة المخصصة لكي تستفيد الأسرة منه".
وتعدّ " الجصة" أبرز الأدوات المستخدمة قديماً لحفظ التمور دون أي تغيير على مذاقها وجودتها، واستهوت مشاهد الجصة قديماً الزوار الذين حضروا لمهرجان بريدة للتمور، الذي يعد حسب مسؤولي منطقة القصيم أضخم "كرنفال" للتمور في العالم، فيما يضبط باعة ودلالو المهرجان ساعاتهم كل يوم من أيام المهرجان على توقيت الخامسة فجراً حيث انطلاق البيع والشراء.