في شارع حراء بجدة، يقف “استريو لحن السهارى” كواحد من أندر وأعرق محلات تسجيلات الأغاني في المملكة، محتفظًا بجوهره الموسيقي العريق رغم تغير الزمن. ولا يقتصر المحل على أشرطة الكاسيت والسيديهات، بل يحتوي أيضًا على أسطوانات غنائية قديمة تعود إلى منتصف القرن الماضي، لأشهر الفنانين العرب والسعوديين والخليجيين، وأخرى لأغانٍ أجنبية كلاسيكية من نفس الفترة، مما يجعله وجهة فريدة لعشاق الموسيقى التراثية.
احتلت أشرطة طلال مداح المرتبة الأولى يليه محمد عبده ثم عبادي الجوهر
رغم اتجاه الفنانين منذ سنوات طويلة لنشر أغانيهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات مثل يوتيوب، ورغم إغلاق مئات محلات التسجيلات في المملكة، إلا أن صاحب محل التسجيلات اختار أن يُبقي هذا المحل مفتوحًا لعشاق الزمن الجميل. فهو يرى أن هناك قيمة في الاحتفاظ بالألبومات بشكلها القديم ورونقها الجميل، إذ لا يزال بعض الناس يحبون أن يكون لديهم شيء ملموس يمتلكونه بين أيديهم، يدفعون مقابله ليحظوا بتجربة مختلفة عن تلك التي توفرها الوسائط الرقمية. ويؤكد صاحب المحل عزمه على مواصلة دفع إيجار المحل ومقاومة التغيرات التقنية، لأنه يرى في هذا المكان ملاذًا يعود بالزوار إلى عبق الماضي وأيام الزمن الجميل.
مع توقف إنتاج الكاسيت منذ عام 2011، أصبحت هذه الأشرطة نادرة وقيمتها السوقية مرتفعة، إذ يبلغ سعر أشرطة الكاسيت لعموم الفنانين نحو 30 ريالاً، أما الأشرطة النادرة لكبار الفنانين، فتبدأ أسعارها من 300 ريال. ويذكر صاحب المحل أن بعض أشرطة الفنان طلال مداح تباع بنحو 300 ريال، بينما تجاوزت أسعار أشرطة خالد عبد الرحمن هذا المبلغ، خاصة إذا كانت نسخة الطبعة الأولى.
وروى البائع مشهدًا طريفًا حينما زار المحل بعض الأطفال الصغار وشاهدوا لأول مرة شكل الكاسيت، فاستغربوا ولم يعرفوا كيفية استخدامه، حيث لم يعاصروا هذا النوع من الوسائط.
في استعراض لتصنيف الفنانين حسب مبيعاتهم من الكاسيت منذ افتتاح المحل، جاء طلال مداح في المرتبة الأولى، يليه محمد عبده، ومن ثم عبادي الجوهر. هؤلاء الفنانون يمثلون أعمدة الموسيقى السعودية والخليجية، وما زالت أعمالهم مطلوبة حتى اليوم.
ولا يقتصر نشاط المحل على بيع الكاسيتات والسيديهات فحسب، بل يقدم أيضًا خدمات موسيقية خاصة، حيث يصنع زفّات للأعراس وأغانيَ للمناسبات مثل النجاح ومواليد الأطفال وغيرها، مما يجعله ملاذًا للموسيقى العتيقة والحديثة على حد سواء. بهذا المكان، يحتفظ محل التسجيلات بإرث موسيقي يتحدى تقلبات الزمن، جامعًا بين عبق الماضي وإبداع الحاضر، ليصبح علامة فارقة في عالم التسجيلات الموسيقية في جدة، ووجهة ثابتة لعشاق الألبومات الملموسة والذكريات الموسيقية الجميلة.