لم تكن قصة إنشاء المملكة العربية السعودية؛ ذات وجود متواضع في أرشيف التاريخ، على مستوى المنطقة والإقليم والعالم؛ إنما فرضت هذه البلاد نفسها على العالم بكل جدارة؛ نتيجة دراماتيكية الأحداث، منذ التأسيس، وحتى هذا اليوم.
تحولت المملكة إلى رقم عالمي صعب
فقبل قرابة مئة عام ونّيف، نفضت المملكة غبار الماضي، المرتبط بالعوز، ونقص الموارد، وانعدام التعليم، والصناعة، والإنتاج، وتحولت إلى رقم عالمي صعب، وهذا لم يتأت دون تضحيات الرجال قبل كل شيء.
فمراحل بناء الدولة، اعتمدت فكر المؤسس الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – القائمة على تعظيم الأرض والإنسان، وتلك كانت البذرة الحقيقية، والأساس الصلب لبناء اقتصاد حقيقي في عام 1932، بعد أن كان العالم يعوم على بحرٍ من الكساد، وفي الثالث والعشرين من سبتمبر من ذلك العام، نشرت جريدة أم القرى نص أمر ملكي رقم 2716، الذي أعلن من خلاله الملك عبدالعزيز قيام المملكة العربية السعودية، لتكتب ولادة وطن كبير.
لكن الظروف المحيطة في تلك الحقبة التاريخية، كدخل الفرد قبل اكتشاف النفط كان محدوداً جداً، بل إن عضو مجلس الشورى والخبير الاقتصادي فضل البوعينين، رأى أن حتى التجارة ومهنها كانت متاحة محدودة جداً.
وكان مستوى دخل الدولة آنذاك، طبقاً للدكتور محمد سرور الصبّان، كبير مستشاري وزير البترول سابقاً، متواضعاً كان أساسه إيرادات الحج والعمرة ليس أكثر، وهذا ما كان يعتبراً محدوداً لقيام كيان كبير.
إلا أن إرادة الملك عبدالعزيز وفقاً للدكتور شجاع البقمي أستاذ الإعلام الاقتصادي المشارك، دفعت لـتكون هناك مواصلة للجهود وأخذت فترة زمنية، كانت تعتمد على محاولة البحث عن المورد الطبيعي للبترول والغاز.
وإلى أن تم التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتوقيع اتفاقية بينها وبين المملكة عام 1933، بدأ عام 1939 بتصدير أول شحنة زيت لأسواق العالم، بمعدل 165 ألف برميل من رأس تنورة شرق البلاد، وبدأت بحسب نايف الدندني الخبير في استراتيجيات الطاقة، قصة نهاية تواضع الاقتصاد السعودي، ونهاية مرحلة عدم وجود مصدر مهم تعتمد عليه إيرادات الدولة.
متغيرات الدخل المرتبطة بأسعار النفط كانت ذات أثر على الميزانية
وينجلي أن متغيرات الدخل المرتبطة بأسعار النفط وحجم الإنتاج، كانت ذات أثر على الميزانية العامة؛ وبالتالي كان لا بد من تحقيق الاستقرار المالي والاستدامة المالية، وهذا ما دفع ولي العهد لإطلاق رؤية المملكة 2030 التي باركها خادم الحرمين الشريفين.
وتتزامن هذه الاستراتيجية بعيدة المدى، مع تحول اقتصاد المملكة إلى واحد من اقتصادات العالمية، التي ينظر لها كأنموذج في تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد على منتج أو سلعة معينة؛ فالقطاعات في المملكة كثيرة جداً، والفرص كذلك متوفرة.
وبلغ النمو الذي يعيشه الاقتصاد السعودي، شركات مالية، والتي تمنح لها هيئة التأمين مظلةً كبرى؛ ما يساهم في تطوير وتسهيل التعامل مع هذه الأسواق المالية، وأيضاً انفتاحنا على الأسواق المالية العالمية، ساهم في دخول المستثمرين الأجانب في السوق السعودية.
صندوق الاستثمارات أصبح قاطرة للاستثمارات المحلية، والخارجية
وفي المرحلة التي سبقت إطلاق رؤية المملكة 2030، كان صندوق الاستثمارات العامة يعمل كذراع اقتصادية يسهم في نمو إيرادات الدولة، من خلال الاستثمار بأصوله خارج المملكة العربية السعودية، وكان تنصب أغلب تلك الاستثمارات في مشاريع متدنية الدخل، واليوم أصبح قاطرة للاستثمارات المحلية، والخارجية.
وفيما يرتبط بالمشاريع، يبرز عدد من المشاريع التي لفتت انتباه العالم، وتحولت من أحلام إلى حقيقة، كمشروع القدية، وهو مشروع فريد في العاصمة الرياض، من شأنه أن يرسم ملامح عصرية لإحدى أهم العواصم في المنطقة والإقليم، بالإضافة إلى مشروع ذا لاين، الذي يعتبر منهجية عصرية، ترسم شكل المستقبل المنتظر.
وهذا بطبيعة الحال، دفع المملكة إلى تبوؤ موقع متقدم في المؤشرات المالية والمؤشرات العالمية، من خلال نمو الأعمال في قطاعات والاستثمار والتكنولوجيا، التي فتحت لها رؤية 2030 الأبواب على مصراعيها.
إن كل ما سبق مجرد نقاط ضوء من فصول تحكي قصة متنوّعة وواقع ومستقبل اقتصاد المملكة في ذكرى تأسيسها الثالثة والتسعين، ولا يزال هناك المزيد.
وبدون أدنى شك، لا بد لحضور بعض من الوجدان في هذا اليوم العظيم، وبلا أدنى ريب، لسان السعوديين سيردد، ليس في هذا اليوم بل كل يوم، هي دارنا؛ والحياة بكل عناوينها، وموطن الاعتزاز، ومعشوقة الجميع، وأرض النور، ومشرقه، وسيدة الشمس، ومصدر الهيبة والمهابة، والدولة التي لا تهدأ ولا تنام.