تتصدر الإبل مشهد الهوية الوطنية في المملكة، ليس كجزء من الماضي فقط، بل كرمز متجدد يجسد أصالة الشعب السعودي وارتباطه بجذوره الممتدة في عمق الأراضي، حيث تنبض الحياة بروح التاريخ وتتنفس رمالها عبق الموروث.
تعبّر عن الصمود والكرامة والوفاء
وجعل السعوديون من "عام الإبل" عنوانًا لتظاهرة استثنائية أبرزت عمق العشق المستدام بينهم وبين الإبل، وتحول إلى واجهة تمزج بين التراث والتطور، فهي ليس مجرد كائن حي يتنقل بصبر في أرجاء الصحراء، بل تمثل فلسفة حياة تعبّر عن الصمود والكرامة، وعن الوفاء الذي يتناغم مع روح الصحراء الخالدة.
وأدّت الإبل في العصر السعودي دورًا محوريًّا في مسيرة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود لتوحيد البلاد؛ كانت ناقته "مصيحة" شاهدًا على هذه المسيرة، لم تقتصر كوسيلة للنقل، بل شريكة حملت معه أحلام الوحدة، وعبرت الصحراء كرمز للصبر والإصرار.
وتتجلى عظمة هذه العلاقة في وثيقة تاريخية نشرتها "دارة الملك عبد العزيز"، حيث أوصى الملك المؤسس برعاية الإبل "الهمّل" والاعتناء بشؤونها، مؤكدًا أنّ هذه الكائنات ليست مجرد مخلوقات، بل عطايا إلهية تستحق الاحترام والتقدير.
كما تحولت في العصر الحديث إلى واجهة ثقافية تعكس الهوية السعودية، ومهرجان الملك عبد العزيز للإبل أكبر دليل على ذلك، حيث يجمع هذا الحدث بين منافسات جمال الإبل، والأنشطة الثقافية، والفعاليات التي تجسد قيم السعوديين الأصيلة مثل الكرم والصبر، وأصبح هذا المهرجان منصة تُبرز للعالم أجمع كيف حوَّل السعوديون ارتباطهم بالإبل إلى احتفال عالمي بالتراث.
وأصبحت الإبل رافعة للاستثمار الثقافي والتنمية المستدامة، ويواصل مهرجان الملك عبد العزيز للإبل جذب المستثمرين والمشاركين من جميع أنحاء العالم، ويُعدّ نقطةً محورية في هذا التحوُّل، ولا يقتصر المهرجان على منافسات الجمال، بل يمتد ليشمل الصناعات التقليدية مثل: (منتجات ألبان الإبل، وجلودها، وسباقاتها).
وصلت أسعار الإبل الأصيلة إلى أرقام قياسية
ووصلت أسعار الإبل الأصيلة في المزادات إلى أرقام قياسية، وهو ما يجعلها استثمارًا استراتيجيًّا للمُلاك، كما أن تطور الصناعات المتعلقة بالإبل، مثل: المراكز البيطرية والبحثية، أسهم في توفير وظائف جديدة، وتعزيز الاقتصاد المحلي في المناطق الريفية.
فمنذ أكثر من 100 عام كانت الإبل رفيقة الإنسان السعودي في رحلته اليومية، مؤنسةً لوحشة طرقه الوعرة، ورمزًا لعزته وامتدادًا لموروثه، وتعود بداية هذه العلاقة إلى إرث ديني واجتماعي وثقافي؛ فالإبل ذُكرت في القرآن الكريم كأحد أعظم دلائل القدرة الإلهية، كما أنها ارتبطت بالأنبياء، بدءًا من ناقة النبي صالح -عليه السلام- التي كانت معجزة إلهية، وصولًا إلى ناقة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - "القصواء" التي رافقته في الهجرة وفي لحظاتٍ فارقة من تاريخ الإسلام.