في الأول من أكتوبر من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للقهوة، وهو اليوم الذي أقرته المنظمة الدولية للقهوة في مارس 2014، واحتفل به لأول مرة في ميلانو الإيطالية عام 2015، لكن قصة العربي مع قهوته تعود لما قبل ذلك الوقت بكثير، ونستعرضها في هذا التقرير.
تنوعت طرق إعداد القهوة وطقوس شربها
وتشير البحوث وحكايات التراث الشعبي إلى أن أول اكتشاف للقهوة كان في إثيوبيا، على يد راعي غنم في منطقة "كافا"، والذي لاحظ أن أغنامه تنشط عندما تتناول ثمرة حمراء اللون تنبت في هذا المكان، فقرر التجربة، فهرع إلى راهب في دير مجاور، إلا أن الرهبان ارتابوا في الأمر، فقرروا حرق الثمار لطرد الأرواح الشريرة، وعندما اشتم الرهبان رائحة البن بعد حرقه، انتابهم الشعور بالنشاط، فرأوا أنها مفيدة بالنسبة إلى بعض الطقوس الدينية، ومن حينها عرفت القهوة وانتشرت بعد ذلك حول العالم، وتنوعت طرق إعدادها وطقوس شربها.
فيما تشير الدراسات إلى أن أقدم الأدلة المثبتة على شرب القهوة أو معرفة شجرة البن، تعود إلى القرن الـ 15 الميلادي في الأديرة الصوفية في اليمن، وبعد 100 عام وصلت إلى بقية الشرق الأوسط، وهو التاريخ نفسه الذي يرجح وصولها فيه إلى الجزيرة العربية، وجنوب الهند وبلاد فارس وتركيا والقرن الأفريقي وشمال أفريقيا. ثم انتشرت القهوة إلى البلقان، وإيطاليا وبقية أوروبا إلى جنوب شرق آسيا ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وتجمع أمهات مصادر اللغة على أن الخمر عرفت باسم القهوة، لأنها تقهي شاربها عن الطعام وتذهب شهوته، فيما تشير بعض التفسيرات اللغوية الأخرى إلى أنها تقهي صاحبها أي تشبعه.
ويورد (تاج العروس) للزبيدي، رحلة انتقال هذا الاسم القهوة، بعدما يشير إلى أصله اسماً للخمر ومن الإشباع والذهاب بشهوة الطعام: "قلتُ، هذا هو الأصل في اللغة، ثم أُطلقت على ما يشرب الآن من البُنّ لثمر شجرٍ باليمن، يقلى على النار، قليلاً، ثم يدق ويغلى بالماء". مع الإشارة إلى أن صاحب تاج العروس، كان من عشاق القهوة والبن اليمني، فألّف كتاباً بهذا الخصوص، يحمل اسم: (تحفة بني الزمن في حكم قهوة اليمن).
ويشار في بعض استعمالات العربية القديمة، للقهوة، بمعنى الشبع الكامل، فكان يقال القهوة، أي الشبعة المُحْكمة، وبه سميت الخمر قهوة، وكذلك كانت اسماً للبن المحض، لأنه يُدار كما تدار القهوة، ويوضح الزبيدي في تاجه الذي نقل سرداً ثانياً لرحلة اسم القهوة التي يبدو أن لها فوائد علاجية كما قال: "بُنٌّ، ثمر شجر باليمن... يخلّف حباً كالبندق... وإذا تقشّر انقسم نصفين، وقد جُرّب لتجفيف الرطوبات، والسعال، والبلغم، والنزلات، وفتح السدد، وإدرار البول، وقد شاع الآن اسمه بالقهوة إذا حُمِّصَ وطُبِخَ بالغاً".
وعادة ما تتصل كلمة القهوة، مع كلمة الفنجان، حيث العبارة شديدة الورود على اللسان العربي الحديث: "فنجان قهوة" واعتُقد في أصل غير عربي، لكلمة الفنجان، فيما توضح أمهات العربية أن الأصل عربي صرف، وهو كامن في كلمة (فلجان) التي حوّرت إلى (فنجان).
الفِلج، في بعض معانيه في العربية القديمة، هو مِكيال، في الأصل، لمقادير مختلفة، بحسب الاستعمال. ويورد الزبيدي سالف الذكر، بيتا شعريا عربيا يظهر معنى كلمة الفلج: "قال الجعدي يصف الخمر: ألقى فيها فلجان من مسك دارين/ وفلج من فلفلٍ ضرمِ". ثم يستند على المسميات التي وردت في البيت فيقول: "قلتُ: ومن هنا يؤخذ قولهم للظَّرف المُعَدّ لشرب القهوة، وغيرها، فِلجان، والعامة تقول فنجان، وفنجال، ولا يصحّان".
يطلق العربي على القهوة أسماء عدة طبقًا لشاربها وتوقيت شربها
ويطلق العربي على القهوة أسماء عدة طبقًا لشاربها وتوقيت شربها، فيقول على الفنجان أو الفنجال الأول الذي يشربه المعزب أو المضيف، قبل أن يمد القهوة لضيوفه "الهيف" وهو يشربه قبلهم كعادة عربية تعود لطمأنة الضيف بأن القهوة غير مسمومة.
الضيف، وهو أول ما يقدم للضيف كواجب للضيافة، وكان الضيف مجبرًا في البادية على شربه إلا في حالة العداوة، أو أن يكون للضيف طلب صعب وقوي عند المضيف، فكان لا يشربه إلا بعد وعـد من المضيف أو المعزب بالتلبية.
وقد كان من عظائم الأمـور أن يأتي إنسان إلى بيتك ولا يشرب فنجالك إلا بعد تلبية طلبه، فأنت حتما مجـبر على التلبيـة وإلا لحق بك العـار عند النـاس.
الكيف، ويعد الفنجـال الثاني الذي يقدم للضيف، وهو ليس مجـبرًا على شربه ولا يضير المضيف إن لم يشربه الضيف، بل هو مجـرد تعديل كيف ومزاج الضيف.
السيف، وهو الفنجـال الثالث الذي يقدم للضيف، وهذا الفنجـال غالبـا ما يتركـه الضيف ولا يحتسـيه لأنه أقـوى فنجـال قهـوة لدى عرب الباديـة، ويعـني من يحتسـيه أنه مع المضيف في السـراء والضـراء، ومجـبر على الدفـاع عنه بحـد السـيف.
وتوضح دارة الملك عبد العزيز، أنه خلال رحلة للمستكشف الألماني يوليوس أويتنج، إلى الجوف وحائل وتيماء، بين عامي 1883 و1884، وثق عددًا من الأدوات القديمة في إعداد القهوة، والتي كانت من السمات المميزة لشمال الجزيرة العربية في ذلك الوقت، مثل الفنجان والمغرفة وغيرهما من الأدوات.
وتعد القهوة في المملكة رمزاً للجود والكرم، ويعقد معها الرجال المجالس الخاصة التي تتصدرها القهوة، وتسمى بـ "الشبّة" أو "القهوة" أو "الديوانية"، ويرافقها دائماً التمر الذي ظل ملازماً لها من الماضي وحتى الوقت الحاضر.
تختلف درجات تحميص البن من منطقة لأخرى، فهناك البن الهرري والقطمي والبرية وأشهرهم هو البن الأشقر، في حين يبدأ تحضير القهوة بإضافة البن إلى الماء وغليه على نار هادئة لمدة 10 دقائق، ويضاف حينها البهارات بحسب الذوق كالقرفة والزنجبيل والزعفران.
وبعد ذلك تُسكب القهوة في الدلة ويضاف إليها المقدار المناسب من الهيل، ولا تقدم القهوة مباشرة بل تترك حتى تمتزج المكونات.
وتمتاز كل منطقة من مناطق المملكة بطريقة صُنع مميزة للقهوة؛ حيث يضاف لقهوة منطقة نجد الهيل والزعفران، أما أهل الجنوب فيضيفون إلى المكونين السابقين القرنفل والزنجبيل والقرفة، ويمزج أهل حائل البن مع الهيل والزعفران والقرنفل، فيما يكتفي سكان غرب المملكة بالبن والهيل فقط؛ فيما يبتكر اليوم عُشاق القهوة طرقاً مستحدثة لصناعتها فبعضهم يضيف إليها الحليب أو مبيض القهوة.
تقاليد مختلفة في تقديم القهوة
وكانت القهوة قديماً تُحضر على الحطب وتطورت وسائل تحضيرها اليوم فاختُرعت لها دلة كهربائية وخلطة تحضير فورية، وعُرفت تقاليد مختلفة في تقديمها إذ يجب أن تُمسك دلة القهوة وتُصب باليد اليسرى ويُقدم الفنجان للضيف باليد اليمنى.
ويبدأ صب القهوة من جهة اليمين من المجلس أو بدءاً من الأكبر سناً، والمتعارف عليه تكرار المُضيف للصب حتى يقول الضيف "بس" أو يهز فنجانه، ومن يخالف هذه العادات يواجه استنكاراً شديداً من قبل ضيوف المجلس، وفي بعض القبائل يُملأ الفنجان للربع والبعض إلى النصف فيما تفضل بعض القبائل تقديم الفنجان مملوءاً، ولا يُقبل تقديم القهوة في فنجان مخدوش لأنها تُعتبر إهانة للضيف.