ارتبط العرب منذ قديم الأزل بالروائح العطرية، واعتنوا بها، وهو ما قد يفسر حرص سكان جنوب المملكة على ارتداء أكاليل الفل والريحان على الرأس، في تقليد سائد عند الكثير من القبائل في جازان وعسير.
يحاكي المعرض تاريخ العطور الشرقية وما تنتجه الأرض العربية من زهور ونباتات
وسعيًا نحو إلقاء الضوء على هذه العلاقة المتأصلة بين الجزيرة العربية والعطور، انطلق معرض عطور الشرق في المتحف الوطني بالعاصمة الرياض، بتنظيم من وزارة الثقافة، ليحاكي تاريخ العطور الشرقية وطبيعة الأرض العربية وما تنتجه من زهور ونباتات.
وسلطت "أخبار 24" الضوء على المعرض، الذي اهتم بإبراز الروائح العطرية في العالم العربي، من خلاله توفيره أركانًا للتعرف على روائح العطور الزهرية، ومنها عطر الورد الذي كان يزرع في الوديان المغربية والطائف ودمشق.
ورصدت عدسة "أخبار 24" أعمالاً بصرية للفنان الفرنسي فلاديمير انطاكي، وهو من مواليد الرياض، والذي التقطت عدساته صورًا من أسواق العطارين في المملكة وعمان، تنقل الناظر إليها إلى سيل من الروائح العطرية في خياله.
ويضم المعرض ركنًا للتوعية بالعناية بالجسد؛ للتعريف بدور "الحمامات" في المدن العربية قديمًا، والتي كانت تجمع أهالي القرية والحي، ويُستخدم فيها أنواع مختلفة من الصابون العطري، كما يشتمل أيضًا على صور لشبان من منطقة عسير في جنوب المملكة وهم يرتدون الفل والريحان، بالإضافة إلى عمل فني مصنوع من البهارات المطحونة، كدليل على ارتباط المطبخ العربي بالروائح الشرقية.
وافتتح المتحف الوطني السعودي معرض "عطور الشرق"، الذي يقيمه بالشراكة مع معهد العالم العربي في باريس، وتستضيفه الرياض في أوَّل محطّةٍ دولية له، برعاية وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان.
يحتضن المعرض أكثر من 200 قطعة أثرية وعمل فني معاصر حول العطور
ويصطحب المعرض زواره لرحلة غامرة، يستكشف من خلالها تاريخ العلاقة الوثيقة بين العالم العربي والعطور، ويسلط الضوء على روائح الشرق المميّزة وعلى التقاليد العربية التي منحت العطر دوره الاجتماعي، ويحتضن مجموعة فنية فريدة من أكثر من 200 قطعة أثرية وعمل فني معاصر تروي بمجملها تاريخ هذه العلاقة الوثيقة والأزلية بين العالم العربي والعطور.
وينقسم المعرض إلى ثلاثة أقسام تقدّم للزوّار فرصةً للتجوّل في فضاءات متنوعة: يستكشف القسم الأول بعنوان "الطبيعة السامية والسخية" تاريخ العطور منذ لحظة اكتشاف المواد الخام التي تُصنع منها، من زهور وأعشاب وتوابل وراتنجات طبيعية فوّاحة، مسلّطاً الضوء على المكونّات التي تميّزت بها الجزيرة العربية - مثل اللّبان والعنبر والمُرّ – والتي لعبت دوراً رئيسياً في تركيب العطور.
ويأتي القسم الثاني بعنوان "روائح المدينة"، فيأخذ الزائر في رحلة في مختلف أحياء المدينة؛ لاكتشاف دور العطور في الأماكن العامة وفي المجتمع، حيث يشكّل العطر في الثقافة العربية تجربة جماعية، إذ يُعدّ واقعاً مهماً حاضراً في دائرة الأصدقاء والعائلة والأحبة. وأخيراً يحمل القسم الثالث عنوان "ضيافة عطِرَة"، ويسلّط المعرض الضوء على التقاليد والعادات الاجتماعية المرتبطة بالعطور في العالم العربي والحضارة الإسلامية، مثل التطيّب والتبخير وتعطير الضيوف للترحيب بهم.
وترافق المعرض مجموعة ورش عمل وندوات تسلّط الضوء على مكونّات العطور المختلفة، وتستكشف عملية صناعة العطور وتصميم عبواتها المختلفة، ويتطرق المعرض إلى الأهمية الثقافية والتاريخية للعطور في العالم العربي؛ خاصةً في الجزيرة العربية، والتي كانت تستقبل المواد العطرية الثمينة وترسلها إلى مجتمعات العالم القديم، ومنطلق تاريخ العطور وثقافة الشغف بها إلى جميع أنحاء العالم العربي؛ ما جعل الجزيرة العربية مهداً لحضارة العطور، وأغدقت على البشر الطُيُوب ليتذوّقوا جمالية الحياة، حتى شاع استخدامها في الحياة اليومية للإنسان وأصبحت دلالةً على الألفة والاحترام والسخاء.