كشف السفير السعودي لدى إيطاليا ومالطا الدكتور رائد قرملي عن مواقف عدة تُروى لأول مرة عن وزير الخارجية السابق الأمير سعود الفيصل، مقسماً خلالها مواقفه بين الفيصل الإنسان والفيصل رجل الدولة والفيصل المثقف.

وأوضح قرملي الذي تم اختياره قبل نحو 15 عاما ليكون ضمن مجموعة مختارة قليلة العدد ترافق وزير الخارجية في جميع لقاءاته واجتماعاته ورحلاته وسفراته أن هذا العمل أتاح له أن يتواجد مع الفيصل معظم فترات اليوم بل وأيام العطلة الأسبوعية والأعياد وذلك لتعدد سفراته وطول المسافات التي تقطعها طائرته.

وأضاف قرملي في مقال له بصحيفة "الشرق الأوسط" أن الفيصل الإنسان كان شديد الملاحظة والحساسية لأي موقف يمكن أن يفسر بأن فيه تعاليًا على الآخرين أو خدشًا لكرامتهم أو مساسًا بإنسانيتهم، ذاكرا أنه في إحدى الرحلات لدولة إسلامية احتفى بهم السفير السعودي في مأدبة عشاء وكان أحد السعوديين من كبار السن يقدم للأمير القهوة العربية، فسأله عن عمله فأجابه أنه مدرس في المدرسة السعودية، فما كان منه إلا أن قال له بصوت جهوري إن سيد القوم خادمهم، وأوعز إلى السفير بأن يقدم لنا القهوة بنفسه.

ولفت إلى موقف ثان في رحلة أخرى للعاصمة البريطانية لندن، لدى صعودهم للطائرة للمغادرة وكان المطر ينهمر بغزارة والريح عاصفة والجميع مستعجل لصعود سلم الطائرة، إلا أن الفيصل التفت وسأل عن راكبي الدراجات النارية من الشرطة البريطانية الذين فتحوا للموكب الطريق إلى المطار قبل أن يتوجه إليهم وسط الأجواء العاصفة والأرض المنزلقة ليصافحهم شخصيًا ويشكرهم على جهودهم.

ولفت السفير السعودي إلى موقف ثالث عندما تقدم إلى الفيصل كاتب عربي بكتاب جمع فيه جل تصريحات وكلمات الفيصل على مدار ثلاثة عقود وتناول كلا منها بشرح توثيقي إعلامي مقتضب، مشيرا إلى أن الفيصل كتب له (قرملي) لإبداء الرأي، فردّ بأن الكتاب ليس أكاديميًا أو علميًا لكنه مفيد للتوثيق والتأريخ، فوجه الفيصل بخط يده أنه لا يرى أي فائدة من نشر الكتاب، وكانت هذه نهاية الموضوع.

وعن الفيصل رجل الدولة، ذكر قرملي أن الفيصل رغم مرضه وآلامه الجسدية كان مواظبا على عمله بشكل تام حتى أنه رغم تعدد سفراته وطول المسافات لم يشاهده يومًا يترك مقعده ويدخل غرفة نومه المعدة والمجهزة له في الطائرة، بل كان السرير يستعمل لوضع ملابسه عليه فقط، فيما يمضي الساعات في التجهيز للمهمة التي بانتظاره وخلال العودة بإعداد التقارير عنها.

وأضاف: "ولا أظنني أنا ومن رافقه يمكننا أن ننسى كيف كان يتعمد أحيانًا الظهور بمظهر المنفعل والغاضب والمستاء بل والمنسحب من أي اجتماع ليرسل رسالة محددة ومؤثرة لبقية المجتمعين في الوقت الذي كان يخفي بدهاء وإتقان ابتسامته الداخلية، وبالمقابل كان يحرص أشد الحرص على الحفاظ على ما تتمتع به المملكة وملوكها من جدية ومصداقية والتزام كامل بكل ما يصدر عنهم من مواقف أو عهود أو وعود".

ونوه قرملي إلى موقف آخر، حين توجه وزير خارجية عربي كان نظامه يفجر بالخصومة ضد المملكة للفيصل في أحد الاجتماعات العربية وقال له إن الأمين العام للجامعة العربية أبلغه بأن الرئيس الأمريكي حينها أبلغهم شفهيًا بكيت وكيت، وأن رئيس دولته كلفه بأن يتأكد من مصداقية الرسالة الأمريكية من سعود الفيصل دون سواه لعلمه بصدقه، مضيفا أن الفيصل وجه بمهاتفة وزيرة خارجية الولايات المتحدة فورًا، حتى لو كان الوقت في أمريكا حينها قبل موعد استيقاظ الناس، للتأكد بدقة من مضامين الرسالة الأمريكية قبل إجابة المسؤول العربي.

وبشأن سعود الفيصل المثقف، قال السفير السعودي: "سعة اطلاع الفيصل وتنوع معارفه وعمق قراءاته كانت مما لا يمكنني تصور اجتماعه لأي إنسان. فكان موسوعة في الشعر الإنجليزي والشعر العربي الفصيح والشعر الشعبي أو النبطي في آن".

ولفت إلى أنه كان من السهل عليه أن يستحضر وقتما يشاء اقتباسًا من شكسبير وبرنارد شو أو من الحكم العربية التقليدية أو من الموروث الشعبي النجدي والحجازي، وكان دومًا يأتي بمصطلحات وكلمات إنجليزية لا يعرفها أحد من الحاضرين، رغم أن أكثرهم ممن درسوا في أرقى الجامعات الأمريكية والبريطانية سنين كثيرة.

وأشار إلى موقف لا ينساه للفيصل حين لقائه بوزير الخارجية الياباني حينها، حيث عبر الفيصل بالإنجليزية عن تشابك وتكامل علاقات البلدين بمصطلحات لم يفهم منها شيئا، مضيفا: "لكني وجدت الوزير الياباني مسرورا بالغ السرور بها، فسألته بعد اللقاء عنها، فأوضح أنها مصطلحات تصف بدقة نوعًا مميزًا من عقدة النسيج للسجاد الحرير كانت مشهورة في اليابان منذ قرون خلت".