تلجأ الدول إلى تغيير عواصمها لأسباب اقتصادية أو اجتماعية، وقد يكون البُعد الجغرافي دافعاً للإقدام على مثل ذلك التغيير.
وهنا نرصد عدداً من تلك الدول التي عملت على تغيير عواصمها، ونذكر لكم الأسباب التي دفعتها لذلك:
1- العاصمة العُمانية من صلالة إلى مسقط
استمرت صلالة عاصمة لسلطنة عمان نحو 38 عاماً، قبل أن يُنقل مقر العاصمة إلى مسقط.
فمنذ عام 1932، كانت صلالة عاصمة لسلطنة عمان وحتى اعتلاء السلطان قابوس الحكم في 1970. فبعد وفاة السلطان سعيد بن تيمور الذي كان يتخذ من صلالة عاصمة لسلطنته، قرر ابنه قابوس نقل العاصمة إلى مسقط.
وكانت مسقط حتى تولي السلطان قابوس الحكم تُسمى "مسقط وعمان"، وذلك قبل أن يُطلق عليها "مسقط" بحلول عام 1970، وموقع المدينة على ساحل خليج عمان جعلها مطمعاً للكثير من الغزاة؛ إذ سيطر عليها البرتغاليون من (1508 إلى 1650).
وتُعد مسقط، المدينة الأكبر في سلطنة عمان، مقراً للسلطان قابوس؛ إذ يعيش فيها منذ اعتلائه الحكم في 1970، مخالفاً ما اعتاده والده السلطان سعيد الذي كان يعيش في صلالة، مسقط رأسه.
فيما بُني قصر السلطان في مسقط على الطراز الهندي على حافة البحر، وبها العديد من معارض الهندسة المعمارية، كما تجمع بين الثقافات العربية والفارسية والبرتغالية والهندية والإفريقية، كما تأثرت عمارتها بالثقافة الغربية الحديثة.
بينما تعتبر مدينة صلالة الآن عاصمة محافظة ظفار التي تقع في جنوب سلطنة عمان ومقر واليها، وتشتهر صلالة بمزارع الموز، وبمناظرها السياحية الساحرة بسبب طبيعتها الصحراوية، ويبلغ عدد سكانها نحو 200 ألف نسمة، كما اشتهرت مدينة صلالة في القرن الثالث عشر بتجارة البخور.
2- العاصمة السودانية الخرطوم
منذ إنشاء مدينة الخرطوم عام 1821 على يد والي مصر محمد علي، تحولت إلى عاصمة للسودان خلال الحكم المصري للسودان في الحقبة العثمانية، بدلاً من مدينة "ود مدني" التي كانت عاصمة لسلطنة سنار(وسط السودان) قبل أن يسيطر محمد عليّ على السودان.
إلا أنه بحلول عام 1885، استولت جيوش الإمام المهدي على الخرطوم بعد حصارها، فيما قتلوا القائد البريطاني بها تشارلز جورج غوردن، ليتخذ المهدي من أم درمان عاصمة لدولته بدلاً من الخرطوم، التي بدأت تتراجع وتقل أهميتها ويضعف الاهتمام بها؛ مقارنة بأم درمان التي توسعت خلال فترة حكم المهدي وخلفائه.
وحينما احتلت بريطانيا السودان مرة أخرى في عام 1898، واتخذ الحاكم العام في السودان اللورد كتشنر من الخرطوم مقراً للحكومة البريطانية وحتى استقلال السودان عام 1956، استمرت الخرطوم عاصمة للبلاد حتى بعد الاستقلال.
وتُعد الخرطوم العاصمة التنفيذية للسودان، وهي مقر التجارة والاتصالات الكبرى حيث خطوط السكة الحديدية، وبها مطار دولي، فضلاً عن حركة الملاحة النهرية على النهرين الأبيض والأزرق، كما أن بها المباني الرئيسية في الدولة كالقصر الرئاسي ومقر البرلمان، بينما تعد أم درمان عاصمة السودان التشريعية.
كما تضم العاصمة السودانية أكبر تجمع حضري في السودان؛ إذ يبلغ عدد سكانها نحو مليون شخص، فيما تقع عند التقاء النيل الأزرق والنيل الأبيض، اللذين يجتمعان في مصب واحد وهو نهر النيل المتجه إلى مصر.
وتُعد الأنهار الثلاثة بمثابة خط فاصل بين مدن (الخرطوم، وأم درمان، وخرطوم بحري)، فيما يُطلق على الخرطوم المحافظة المثلثة واعتبروا الأنهار حدوداً مائية تفصل مناطق المحافظة بعضها عن بعض.
إلا أن الخرطوم لا تعتبر مقصداً سياحياً، رغم وجود المعالم الأثرية المصرية القديمة بها؛ إذ إن الحرب الأهلية التي اندلعت بين جنوب السودان وشماله خلقت صورة غير آمنة لدى الكثيرين عن العاصمة السودانية، فضلاً عن الفقر الذي ينتشر بالمدينة.
3- أنقرة - تركيا
منذ 93 عاماً وتحديداً في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1923، تحولت العاصمة التركية من إسطنبول إلى أنقرة.
كانت مدينة إسطنبول -التي عرفت باسم "إسلامبول" حينما كانت عاصمة للدولة العثمانية، كما عرفت بأسماء "بيزنطة، والقسطنطينية، والأستانة"- واحدة من كبرى المدن الأوروبية في تلك الفترة، على عكس أنقرة التي كانت بلدة صغيرة لم يتجاوز عدد سكانها 35 ألف نسمة.
إلا أنه بعد الحرب العالمية الأولى، جرى احتلال جزء كبير من الإمبراطورية العثمانية، وسيطرت دول التحالف على العاصمة التركية إسطنبول، التي تقع في مكان استراتيجي، حيث تربط البحر الأسود بالبحر المتوسط، وتربط أوروبا وآسيا، ما دفع الرئيس التركي -آنذاك- كمال الدين أتاتورك إلى نقل مقر الحكومة من إسطنبول إلى أنقرة في 23 أكتوبر 1923، إلا أنه بعد انسحاب دول التحالف ظلت أنقرة العاصمة السياسية للجمهورية التركية الجديدة.
وبدأت أنقرة تتسع بشكل كبير وشهدت نمواً سكانياً ملحوظاً بسبب هجرة مواطني الأرياف والمدن الأخرى إليها بحثاً عن العمل، وتُعد أنقرة الآن ثاني كبرى المدن التركية بعد إسطنبول، وتضم أكثر من 5 ملايين شخص لتحتل المركز الـ45 عالمياً من حيث عدد السكان.
أنقرة التي تقع وسط تركيا، على هضبة الأناضول، ترتفع فوق مستوى سطح البحر بنحو 938 متراً، بها المباني الحكومية ومقرات الوزارات والسفارات الأجنبية، كما أن لها أهمية تجارية وصناعية كبيرة بتركيا؛ إذ تصدّر "الموهير" المصنوع من شعر ماعز الأنغورا إلى السوق الأوروبية، فضلاً عن أن هناك طلباً كبيراً على صوف الأنغورا، المصنوع من أرانب وقطط الأنغورا، الذي تصنعه المدينة.
وقد حُكمت أنقرة على مدار تاريخها الذي يعود إلى نحو 10 آلاف عام، من إمبراطوريات مختلفة؛ بدءاً من الإنسان الحجري، مروراً بالحاثيين والفرنجة، والفرس، وصولاً إلى الحكم الروماني والبيزنطي والمغولي، حتى الفتح الإسلامي لها في القرن الرابع عشر، وكذلك بعد سقوط الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى واتخاذها عاصمة للجمهورية التركية.
إلا أن إسطنبول، التي تعد العاصمة الاقتصادية والسياحية لتركيا، احتلت المركز الخامس عالمياً من حيث عدد سكانها الذين يُقدرون بنحو 13 مليون نسمة، وكانت عاصمة للإمبراطوريات التي حكمت تركيا خلال تاريخها، كما أصبحت عاصمة الخلافة الإسلامية في عام 1517، وحتى نقل العاصمة إلى أنقرة في 1923.
في عام 1985، تمت إضافة المعالم التاريخية لإسطنبول إلى مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، كما أنه بحلول عام 2010 تم اختيارها عاصمة مشتركة للثقافة الأوروبية، فضلاً عن كونها مدينة سياحية بامتياز تستقبل سنوياً ملايين السياح.
4- العاصمة الروسية موسكو
ظلت موسكو عاصمة للدولة الروسية عدة قرون وحتى عام 1712؛ إذ جرى نقل العاصمة رسمياً إلى سانت بطرسبرغ، وذلك قبل أن ينتقل مقر العاصمة إلى موسكو مرة أخرى، بعد نحو قرنين من الزمان.
استمرت المدينة عاصمة للدولة الروسية لمدة 215 عاماً، قبل أن يتم نقل العاصمة الروسية إلى موسكو مرة أخرى، وخلال القرنين اللذين كانت بطرسبرغ عاصمة لروسيا احتفظت موسكو ببعض واجبات العاصمة، حيث كانت مقراً لتتويج القياصرة، فضلاًعن إنشاء جامعة موسكو بها في عام 1754، لتصبح المدينة مركزاً علمياً وثقافياً للكثيرين.
مدينة سانت بطرسبرغ، التي تقع في شمال غربي روسيا، تأسست منذ نحو 313 عاماً، وتحديداً في 27 مايو/أيار 1703، على يد القيصر بطرس الأول، الذي حملت المدينة اسمه. ومع مرور السنوات، تحولت المدينة إلى مركز عسكري وتجاري كبير، كما أنها اتسعت بشكل كبير، حيث بنى فيها بطرس الأول قلعة كبيرة على نهر نيفا الكبير في الخليج الفنلندي.
إلا أن مدينة بطرسبرغ غرقت في الفقر ومشاكل الصرف الصحي والانشقاقات، وأصبحت مركزاً للثورة التي انطلقت في عام 1905، فيما تمكن البلاشفة في عام 1918 من السيطرة على المدينة وإحكام القبضة عليها، بعدما اقتحموا قصر الشتاء الذين كان مقراً للديمقراطيين، وألقوا القبض على الكثير من الوزراء، وبدأت فترة الحكم الشيوعي الذي استمر نحو 73 عاماً.
وفي 11 مارس/آذار 1918، قررت الحكومة البلشفية نقل العاصمة إلى موسكو؛ وذلك لبعدها عن مركز القتال مع الألمان الذين تمكنوا من الاقتراب حينها بشكل كبير من بطرسبرغ.
فيما استمرت موسكو عاصمة للاتحاد السوفييتي الذي تأسس عام 1922، وظلت عاصمة لروسيا حتى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991.
كانت مدينة موسكو قد أنشئت عام 1147 على يد أمير كييف، يوري دولغاروكي، فيما تُعد روسيا كبرى المدن الروسية من حيث المساحة وعدد السكان؛ إذ يُقدر عدد سكانها، بحسب آخر إحصاءات أصدرها عمدة موسكو سيرغي سوبيانين، بـ25 مليون نسمة، بينما تبلغ مساحتها نحو 2511 كيلومتراً مربعاً.
وتقع العاصمة موسكو في الجزء الأوروبي من روسيا، بين نهر الفولغا ونهر أوكي، وتعتبر موسكو مركزاً اقتصادياً وتجارياً كبيراً، حيث تضم مقرات أكبر البنوك وشركات النفط والغاز الروسي، فضلاً عن أنها مركز لجميع الوزارات والهيئات الحكومية، كما تضم المدينة 8 محطات قطارت بنيت بطراز معماري فني، كما أن بها مترو الأنفاق الذي يبلغ 195 محطة، وتضم 3 مطارات ضخمة تربطها بالعالم.
5- أستانا - عاصمة كازاخستان
قبل نحو 19 عاماً، لم تكن مدينة أستانا موجودة، والفضل في وجودها يعود إلى رئيس كازاخستان، نور سلطان نزارباييف، الذي قرر في 10 ديسمبر 1997 نقل العاصمة الكازاخستانية من مدينة "ألماتي" التي تقع جنوب شرقي البلاد، إلى أستانا.
فمع نهاية القرن العشرين، واجهت العاصمة ألماتي، التي استمرت نحو 70 عاماً عاصمة للبلاد، صعوبات جمّة عرقلت حركة التطور بها؛ إذ قُدر عدد سكانها في تلك الفترة بأكثر من مليون ونصف المليون مواطن، فضلاً عن الازدحام المروري بها وتدهور ظروفها البيئية، كما أن موقعها في جنوب البلاد حجب التنمية الحديثة عنها.
أما أستانا التي تعني "رأس المال" وحملت سابقاً اسم "أكمولا"، كانت عبارة عن رقعة أرض فارغة تميزت بالطابع البدوي لآلاف السنين، إلا أنه بحلول عام 1998 تغيرت المدينة بشكل جذري، حيث توجه إليها المهندسون المعماريون والبنّاؤون من أنحاء العالم وشرعوا في بناء عاصمة معمارية تجمع بين التصميم العصري واللون الشرقي.
وفي 10 يونيو/حزيران 1998، تم عرض أستانا دولياً كعاصمة جديدة لكازاخستان، وذلك قبل أن تحصل المدينة على لقب مدينة السلام من قِبل منظمة اليونسكو بحلول عام 1999، كما أصبحت أستانا عضواً بالجمعية الدولية للعواصم والمدن الكبرى منذ عام 2000 .
أستانا التي تقع في منتصف كازاخستان، لم تصبح المركز الإداري الرئيسي للبلاد فحسب؛ بل أيضاً باتت مدينة تنموية متطورة جاذبة للسياح، رغم أن عدد سكانها تضاعف منذ أن أصبحت العاصمة وفاق عددهم 850 ألف نسمة، فيما بلغت مساحتها نحو 722 كيلومتراً مربعاً.
إذ إن موقعها وسط القارة الآسيوية جعلها جسراً طبيعياً بين أوروبا وآسيا، ومركزاً للخدمات اللوجيستية، حيث يوجد بها جميع المؤسسات الحكومية والبعثات الدبلوماسية من 44 دولة، وتُعد مركزاً لنحو 113 شركة أجنبية، وأكثر من 128 ألف شركة صغيرة.
وقد شهدت المدينة تطوراً حضارياً هائلاً، مبانيها لامعة وكبيرة للغاية؛ فقاعة الحفلات المركزية بالمدينة هي واحدة من كبرى قاعات الحفلات في العالم، بها مقاعد تكفي 3500 متفرج، في حين بلغ عدد مقاعد ملعب Astana Arena 30 ألف مقعد.
6- ساحل العاج
في عام 1983، ومنذ نحو 33 عاماً، نقل الملك فيليكس هوفويت بوانيي عاصمة ساحل العاج (المعروفة بكوت دي فوار) من أبيدجان إلى ياموسوكرو التي تُعد العاصمة القانونية والسياسية.
ففي بداية القرن العشرين، كانت ياموسوكرو قرية زراعية صغيرة لم يتجاوز عدد سكانها 500 فرد، وذلك قبل أن تُسمى اسم الملكة "ياموسو" عمّة الملك فيليكس هوفويت بوانيي (أول رئيس لساحل العاج منذ 1960 لمدة 33 عاماً وحتى وفاته في 1993).
ياموسوكرو هي مسقط رأس بوانيي، ولذلك هو عمد إلى نقل العاصمة إليها وعمل على تطويرها وخصص لها إمكانات مادية ضخمة لجعلها العاصمة رغم صغر حجمها، وقلة عدد سكانها الذين يبلغون نحو 200 ألف شخص، ويتحدثون اللغة الفرنسية.
وبحلول عام 1990، أصبحت ياموسوكرو مركزاً حضارياً كبيراً في الدولة، حيث مركز الحزب الديمقراطي لساحل العاج، كما تلعب دوراً اقتصادياً مهماً، وشهدت المدينة تطويراً عمرانياً وبُنيت على أسس حديثة، وانتشر بها الصيد لكثافة الغابات بها.
ولياموسوكرو التي تقع في الشمال الغربي للبلاد، أهمية ثقافية ودينية خاصة بالدولة، حيث بُنيت بها إحدى كبرى الكنائس في العالم، وأكبر كنيسة بإفريقيا، إلا أنه لم تُنقل كل مؤسسات الدولة ومقارها الحكومية إلى العاصمة الجديدة ياموسوكرو، الأمر الذي جعل أبيدجان هي عاصمة فعلية للبلاد.
وكانت أبيدجان، العاصمة الاقتصادية والمدينة الرئيسية في ساحل العاج، مجرد قرية في عام 1898، قبل أن تتحول إلى مدينة عام 1903، كما كانت عاصمة للاستعمار الفرنسي عام 1934، حتى بعد أن حصلت ساحل العاج على استقلالها في عام 1960 ظلت أبيدجان عاصمة لها حتى عام 1983، قبل أن تنقل إلى ياموسوكرو.
وتُعد أبيدجان المدينة الأكبر والعاصمة الاقتصادية للبلاد، حيث بها الميناء الرئيسي مقر تصدير القهوة والكاكاو والأخشاب، والموز، والأناناس، والمنجنيز الذي يعد أكبر موارد الدولة الاقتصادية، أيضاً بها المنطقة الصناعية، والكثير من مناطق جذب السياح، ويبلغ عدد سكانها 4 ملايين شخص.
7- أبوجا - عاصمة نيجيريا
ظلت لاغوس عاصمة سياسية واقتصادية لنيجيريا لمدة 77 عاماً (منذ 1914 حتى عام 1991)، وكان أول من خطط لنقل العاصمة إلى أبوجا هو الجنرال مورتالا محمد، إلا أنها لم تنقل إلا في عام 1991 إبان رئاسة إبراهيم بابانجيدا.
إذ صدر قرار في 4 فبراير/شباط 1976 بنقل العاصمة الاتحادية لنيجيريا إلى أبوجا إلا أن نقل مقرات الحكومة إلى العاصمة الجديدة استغرق نحو 15 عاماً، بحسب Financial Times.
وبحلول عام 1990، كانت هناك محاولة انقلاب عسكري فاشلة على الرئيس إبراهيم ببانجيدا، الأمر الذي دفعه إلى نقل العاصمة النيجيرية إلى مدينة أبوجا الأكثر أماناً في 1991.
وكانت أبوجا، التي تبلغ مساحتها 8 آلاف كيلو متر مربع، رمزاً لتطلعات نيجيريا من أجل الوحدة؛ لأنه بسبب كونها دولة متنوعة عرقياً أصبح من الضروري البحث عن عاصمة محايدة عرقياً؛ إذ كانت جماعة اليوروبا تسيطر على العاصمة النيجيرية لاغوس وتعتبرها مقراً لها.
كما أن موقع مدينة لاغوس كان سبباً آخر في نقل العاصمة منها؛ إذ تقع لاغوس، المدينة الساحلية، في الجنوب الغربي لنيجيريا، وتفصلها مسافات كبيرة عن المدن النيجيرية، وكان هناك حاجة لاختيار موقع مركزي للعاصمة وسط البلاد، كما عانت أوضاعاً اقتصادية واجتماعية متردية بسبب الزيادة السكانية التي تجاوزت 11 مليوناً، والتي دفعت الكثيرين للهجرة.
العاصمة القديمة لنيجيريا لاغوس، كانت تُعد عاصمة اقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس)، إلا أن نيجيريا كانت بحاجة أيضاً إلى عاصمة سياسية لإدارة العلاقات الخارجية مع إفريقيا، وكان للاغوس حاكم خاص بها، إلا أنه عندما تم نقل العاصمة إلى أبوجا عُين وزيراً لإدارة الشؤون الإدارية لها.
مدينة أبوجا التي أنشئت خلال عام 1980، لم يتم استكمال بنائها كما خُطط لها، إلا أنها بعدما أصبحت العاصمة نُقل إلها مجمع الرئاسة ومقرات السفارات وعدد من الشركات متعددة الجنسيات، كما أن بها بعض المعالم الدينية الإسلامية والمسيحية، وتضم الاستاد الوطني والبنك المركزي.
8- البرازيل
للبرازيل تجربة ناجحة إلى حد كبير في نقل عاصمتها، ففي 21 أبريل/نيسان 1960، أصبحت مدينة برازيليا عاصمة جديدة لدولة البرازيل بدلاً من ريو دي جانيرو، بعد 135 عاماً من اعتبارها عاصمة للبلاد، منذ اتخذها المستعمرون البرتغال عاصمة لهم في 1763، وحتى بعد الاستقلال عام 1822.
وتزدهر ريو دي جانيرو؛ لكونها مركزاً تجارياً ومالياً كبيراً، فضلاً عن كونها منطقة جذب سياحي، حيث الشواطئ وقمم الجبال الساحرة، والغابات الاستوائية، وتنشط بها الصناعة والتجارة المحلية والدولية.
وبسبب موقع ريو دي جانيرو الساحلي، البعيد نسبياً وتكدسها بالسكان، قام البرازيليون بنقل عاصمتهم إلى برازيليا (وسط البرازيل) حتى تكون بعيدة عن الغزو ويكون من السهل الدفاع عنها، فضلاً عن رغبة الرئيس جوسيلينو كوبيتشيك في تطوير وسط البرازيل؛ إذ إنه وقبل الشروع في بناء برازيليا في 1956 كانت المنطقة الوسطى بالبرازيل متخلفة.
العاصمة البرازيلية الجديدة التي بُنيت في عهد الرئيس جوسيلينو كوبيتشيك استغرق إنشاؤها نحو 4 سنوات (منذ 1956 إلى 1960)، كما شهدت نمواً متسارعاً، واتسمت المباني المعمارية فيها بالحداثة.
فيما تزايد عدد سكانها بشكل كبير حتى بلغ نحو 4 ملايين نسمة، بينما قُدرعدد سكان المدينة في عام 1959 بـ64 ألف نسمة، إلا أنه بعد مرور 10 سنوات على العاصمة الجديدة فاق عدد سكانها نصف المليون شخص.
ويقع في العاصمة برازيليا مقر الرئاسة البرازيلية، وقصر بلانالتو، فضلاً عن مقرات مؤسسات الحكم، والوزارات والبرلمان البرازيلي، كما يوجد بها مقر 120 سفارة أجنبية، وبها أيضاً الكاتدرائية الكاثوليكية، كما تُعد مركزاً اقتصادياً وخدمياً كبيراً.
9- نيودلهي عاصمة للهند
في 12 ديسمبر/كانون الأول 1911، قرر البريطانيون بقيادة جورج الخامس أن تصبح نيودلهي عاصمة جديدة للهند، بدلاً من كلكتا؛ إذ كانت الهند تحت الوصاية البريطانية في تلك الفترة، حيث رأت أن موقع دلهي في الشمال من الهند مناسباً بشكل كبير ليكون العاصمة بدلاً من كلكتا التي تقع في الجزء الساحلي الشرقي من البلاد.
وقد كانت نيودلهي عاصمة للهند فترة طويلة خلال الإمبراطوريات التي حكمتها؛ إذ كانت العاصمة في عهد المغول في الفترة من (1649 إلى 1857)، إلا أنه وبسبب طابع كلكتا الساحلي اتخذها البريطانيون في بداية قدومهم إلى الهند مقراً لهم وحوّلوها من قرية صيد صغيرة إلى مدينة كبيرة.
وشرع البريطانيون في بناء المدينة من جديد بشكل يتناسب مع الذوق البريطاني وذلك على يد اثنين من المهندسين المعماريين البريطانيين، وفي 13 فبراير 1931 تم افتتاح دلهي على يد نائب الملك في الهند اللورد ايروين، وتم إعلان نيودلهي عاصمة للهند.
وقد تحركت الحكومة البريطانية من كلكتا إلى نيودلهي على مضض وبشكل بطيء؛ إذ تم نقل المكاتب الحكومية الهندية البريطانية إلى نيودلهي، كما أصبحت مركز الحكومة، وبها المقرات الإدارية للبلاد ومباني السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.
فيما استمرت نيودلهي عاصمة للهند حتى بعدما أصبحت دولة مستقلة عن بريطانيا بحلول عام 1947 وحتى الآن، وأصبحت المقر المركزي للحكومة.
وتعد نيودلهي واحدة من أسرع المدن نمواً في العالم؛ إذ يُقدر عدد سكانها بنحو 14 مليون مواطن، وبها معالم سياحية وأثرية، حيث يوجد القصر الرئاسي الذي يُعد من أكثر المواقع فخامة، ويوجد بها القلعة الحمراء، وهي واحدة من أهم المعالم الأثرية في الهند، بالإضافة إلى المتحف الوطني.
10- تنزانيا
قرر الرئيس التنزاني جوليوس نيريري في أكتوبر 1973 نقل عاصمة بلاده من مدينة دار السلام إلى دودوما؛ وذلك بسبب الموقع الساحلي لدار السلام التي تقع على الساحل الشرقي بالمحيط الهندي، وكذلك بُعدها عن باقي مناطق الدولة التنزانية.
وكانت الدول المستعمرة لتنزانيا قد اتخذت من دار السلام عاصمة لتسهيل تجارتها ولم يكن تطوير تنزانيا في أولوياتها، لذلك كان هدف التنزانيون من نقل العاصمة إلى دودوما التوسع في التنمية واتخاذ مدينة مركزية عاصمة للبلاد بدلاً من الساحلية.
وتعد مدينة دار السلام، التي تبلغ مساحتها نحو 1500 كيلو متر مربع، منطقة سياحية وبها مسرح دولي، فضلاً عن كونها مركزاً تجارياً لتنزانيا، ومنطقة صناعية كبيرة، كما أنها تعتبر العاصمة التجارية والاقتصادية لتنزانيا، حيث يقع بها معظم المكاتب الحكومية والشركات التجارية والمناطق الصناعية.
تأسست مدينة دودوما عام 1890، فيما كانت تحت الاستعمار الألماني في تلك الفترة، إلا أنها تحولت إلى منطقة إدارية تحت الانتداب البريطاني عام 1912 وساعدت خطوط السكة الحديدية على ذلك.
بلغ عدد سكان العاصمة السياسية نحو 45 ألف نسمة بحلول عام 1975، كما بها مقر البرلمان التنزاني، وتتميز دودوما بالمناخ الجيد والمناظر الطبيعية الرائعة التي تجعلها تُقارن بالعديد من العواصم.
إلا أن الأوضاع الاقتصادية السيئة لتنزانيا حالت دون إتمام بناء العاصمة الجديدة وإتمام عملية نقل العاصمة بشكل كلي؛ فلم يتجاوز عدد سكانها نصف المليون شخص، بينما يعتمد 80% منهم على الزراعة، يعيشون في مناطق غير متطورة في مساكن مسقوفة بالصفيح.