اتسع التوتر بين الحكومة والقضاء بعد تغريدة من الرئيس الإيراني حسن روحاني أمس يعلن فيها استعداده للكشف عن حسابات إدارته شرط قيام الجهاز القضائي بإجراء مماثل يزيل الغموض عن حساباته المالية، وفي المقابل، طالب المتحدث باسم السلطة القضائية بالكشف عن مصادر تمويل حملة الرئيس الإيراني في انتخابات 2003، مشيرا إلى أن التوتر بين الطرفين يأتي في إطار «توظيف انتخابي لقضية الشفافية» و«ضغوط تمارس ضد القضاء حتى عشية الانتخابات الرئاسية» المقبلة في إيران.

ورد المتحدث باسم السلطة القضائية محسن أجئي أمس في مؤتمر صحافي على تصعيد روحاني عبر حسابه في شبكة «تويتر» الممنوعة على المواطن الإيراني، وعزز أجئي التهم التي أشار إليها رئيس القضاء صادق لاريجاني الاثنين الماضي حول دعم مالي حصلت عليه حملة روحاني للانتخابات الرئاسية من التاجر بابك زنجاني أبرز الموقوفين في أكبر ملف فساد اقتصادي هز إيران في السنوات القليلة الماضية.

وقال أجئي أمس إن «الحديث عن الشفافية في إيران يسبق الانتخابات»، متهما الأطراف السياسية بتوظيف الشفافية والمزايدة في محاربة الفساد لغايات انتخابية، وأضاف مخاطبا الرئيس الإيراني: «إذا أردنا الحديث عن الشفافية، فيجب علينا الابتعاد عن الخداع، وبعد تفكيك القضايا الأمنية والسرية نقدم القضايا بشفافية للرأي العام، لكن إذا تعلق الأمر بحصد الأصوات الانتخابية، فالأمر مختلف».

في هذا الصدد، كتب روحاني في حسابه على «تويتر» إنه «جاهز لتقديم تقرير عن حسابات الرئاسة شرط أن يقوم القضاء بإجراء مماثل في الكشف عن جميع حساباته المصرفية». وكان لاريجاني تساءل: «أين تنفق أموال الرئاسة؟» ليثير علامات استفهام كبيرة حول تهمة الفساد التي تلاحق مكتب روحاني منذ أشهر. وفي كلمة موجهة للإيرانيين، رجح أجئي استمرار التوتر حول ملفات الفساد و«الضغوط» على القضاء حتى عشية الانتخابات الرئاسية المقبلة. كذلك قال في رده على تغريدة روحاني إن حسابات القضاء «تتمتع بشفافية واسعة، وكثير من المسؤولين المطلعين على مدى عقدين يعرفون ذلك». ودعا أجئي أمس روحاني إلى «الصراحة مع الشعب بتوجيه كلمة واحدة حول ما أنفقه في الانتخابات الرئاسية، ومصادر تمويله، والأشخاص الممولين».

جاء ذلك في موقف متباين مع رئيس القضاء صادق لاريجاني الذي قال الاثنين الماضي إنه لم يقبل ما ذكره زنجاني حول تمويل حملة روحاني في 2013. وتابع أجئي أن القضاء يواجه هجمة بسبب تعرضه لكبار المسؤولين والبارزين من أبناء المسؤولين.

في غضون ذلك، أشار أجئي إلى أن المرشحين للرئاسة بحاجة إلى 20 مليار تومان لإدارة الحملة الانتخابية، متسائلا عن مصدر تمويل حملة روحاني، كما تطرق إلى مدير حملة روحاني الانتخابية وقال إنه من وزراء روحاني ويبلغ «رأسماله تريليون تومان».

وبذلك يثير أجئي لأول مرة علنا تساؤلات عن تمويل وشفافية الحملات الانتخابية في إيران.

وكانت الانتخابات السابقة شهدت تبادل الاتهامات بين الأحزاب الإيرانية حول دور «الأموال القذرة» في الانتخابات.

من جانب آخر، يثير صمت المرشد الإيراني علي خامنئي تجاه تلاسن غير مسبوق بين رئيس الجمهورية ورئيس القضاء الذي يجري تعيينه بأمر مباشر من شخص المرشد، تساؤلات في الشارع الإيراني؛ إذ سبق للمرشد الفصل في خلافات بدرجة أخف من الخلافات الحالية.

وخلال الأيام الماضية، تبادل رئيس الجمهورية ورئيس القضاء اتهامات بالمسؤولية وراء إهمال ملفات الفساد، وتسبب ذلك في انقسام تحت قبة البرلمان الذي ترجحت كفة روحاني فيه على خصومه بعد الانتخابات التي جرت في فبراير (شباط) الماضي. وتتزامن الاتهامات مع مخاوف إيرانية أعرب عنها مسؤولون من تراجع صورة النظام بين أنصاره في المنطقة.

وأول من أمس دعا روحاني القضاء للرد على الأسئلة المطروحة في الشارع الإيراني حول نتائج أكبر ملف فساد اقتصادي، وضمن رده على اتهامه بتلقي تمويل من زنجاني، طالب القضاء بـ«تجنب الهروب إلى الأمام وافتعال أجواء» أزمات، وذلك الموقف فسرته الصحف الإيرانية أمس بتمسك روحاني بموقع الهجوم في قضية الفساد. كما أن افتتاحيات أغلب الصحف الصادرة أمس أعربت عن مخاوف من تأثير الانقسام الداخلي على الشارع الإيراني. وجاءت تصريحات أجئي لتؤكد تقارير تتحدث عن تفاقم الخلافات السياسية مع اقتراب البلد من موعد الانتخابات الرئاسية، ويحاول التيار المعارض لروحاني تفادي خسارة الانتخابات الماضية، في حين أن روحاني يسابق الزمن لتعويض تراجع سجلته إحصاءات إيرانية حديثة بسبب تعطل وعوده الانتخابية، ومن جانب آخر، ترى الحكومة الإيرانية أن القضاء مصدر الضغوط الحالية التي يتعرض لها، بخاصة في ظل الاتهامات حول الفساد الاقتصادي الذي يشغل الشارع الإيراني أكثر من أي وقت مضى بعدما رفعت حكومة روحاني لواء التصدي له منذ وصول روحاني إلى الرئاسة.

ويشير ارتفاع حدة الاتهامات المتبادلة حول الفساد إلى أن فريق روحاني الانتخابي لا يرغب في تحويل الورقة الرابحة إلى ورقة خاسرة في المعركة الانتخابية المقبلة. وبموازاة ذلك، يرى فريق من المراقبين الإيرانيين أن خروج خلافات الحكومة وخصومها من أروقة السلطة إلى العلن، يهدف إلى حفظ الاتفاق النووي من خطر الانهيار بعد بداية دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض.

وتحولت الخلافات في إيران تحت تأثير الانتخابات الرئاسية إلى مواجهة مفتوحة بين القضاء والحكومة في غضون الأيام الأخيرة، وأظهرت مواقف روحاني الأخيرة انزعاجه من تدخل القضاء في السياسة وإصراره على ملاحقة مسؤولين متورطين في فضيحة الرواتب الفلكية، الأمر الذي عدته أوساط مقربة من الحكومة استهدافا مبكرا لحملة الرئيس قبل دخول البلاد في المراحل التنفيذية التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقررة في مايو (أيار) المقبل.

وكان الخلاف حول ملفات الفساد الاقتصادي تعمق الأسبوع الماضي عندما طالب روحاني تسليم بابك زنجاني إلى وزارة المخابرات لمعرفة مصير أموال شركة النفط والشبكة التي تقف وراء زنجاني. ومع ذلك، دافع القضاء عن دوره في متابعة الملف، وقال إنه فتح تحقيقا مع وزراء ومسؤولين وإن محاسبة المتورطين تأخرت بسبب أولوية إعادة الأموال. وكانت تقارير إعلامية قد ذكرت أن أبرز المتهمين وشريك زنجاني في الملف، قيادي في مخابرات الحرس الثوري.

في شأن متصل، وجه 46 برلمانيا أمس إنذارا إلى حسن روحاني يطالبونه بتسليم شقيقه حسين فريدون المتهم بـ«فساد اقتصادي» إلى القضاء، وفق ما ذكرت وكالة «تنسيم». وشدد البرلمانيون في رسالة موجهة إلى روحاني على أن «أحد أكبر المدينين للبنوك بديون تتجاوز 40 تريليون تومان، سجل عقارا في شمال طهران بقيمة 14 مليار تومان باسم زوجة شقيقه حسين فريدون». وتتهم الرسالة شقيق الرئيس الإيراني باستغلال منصبه في الرئاسة في تسهيل معاملات «مفسدين» اقتصاديين في البنوك الحكومية.

وكانت وسائل إعلام إيرانية تناقلت تقارير في مايو الماضي عن اعتقال حسين فريدون بتهم تتعلق بالفساد الاقتصادي وتجاوزات إدارية، إلا أن المدعي العام الإيراني رفض تأكيد تلك التقارير في ذلك الحين، وبدأ الحديث عن شبكة فساد اقتصادية في مكتب الرئيس الإيراني في فبراير 2016، عندما وجه النائب علي رضا زاكاني تهمة تأسيس شبكة «خطيرة من السماسرة» إلى وزير النفط بيجن زنغنه وشقيق روحاني حسين فريدون وممثل إيران السابق لدى الأمم المتحدة سيروس ناصري ورئيس مكتب روحاني محمد نهاونديان.