لم تحدث الانتخابات الرئاسية الأخيرة تغييرا بتركيبة الحكم في النظام الإيراني بعد إعادة انتخاب حسن روحاني رئيسا لولاية ثانية، وذلك بدعم الإصلاحيين و المعتدلين وبتفوق بـ 7 ملايين صوت على منافسه إبراهيم رئيسي، الذي حاز على حوالي 15 مليون صوت بدعم المحافظين و المتشددين.

وبقي الرجلان يشغلان منصبيهما، حيث يتولى روحاني دستوريا رئاسة السلطة التنفيذية، ورئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي، إضافة إلى عضويته في مجلسي الخبراء و تشخيص مصلحة النظام.

وإبراهيم رئيسي بقي يشغل ثلاثة مناصب بأمر مباشر من خامنئي، وهي عضويته في مجلس الخبراء، ونائب عام بمحكمة رجال الدين الخاصة، وسادن العتبة الرضوية في مشهد، وهي من أثرى المؤسسات الدينية - الخيرية في العالم.

المقاطعة والمشاركة

ووسط مقاطعة أحزاب المعارضة الإيرانية وتحريمها المشاركة في الانتخابات، شاركت نسبة كبيرة من المواطنين وصلت إلى أكثر من 70% إما بدافع الشعارات القومية والحفاظ على وحدة البلاد، أو تحت شعار منع ممثل المتشددين من الوصول إلى الحكم.

ويقول الكثيرون إن المشاركة في الانتخابات الرئاسية كانت خيارا بين السيئ والأسوأ، لأن هذه الانتخابات تفتقر لأدنى معايير النزاهة والشفافية والمنافسة الديمقراطية، لأن المرشحين قدموا جميعا من داخل الطغمة الحاكمة.

ويعتقد الكثيرون أن فوز روحاني لن يغير في سياسات النظام الإقليمية والدولية، بل إنه دافع في أول مؤتمر صحافي له بسياسات التوسع الإيراني في المنطقة، ودعم طهران للأنشطة الإرهابية في المنطقة، مشددا على تمكين قوات الحرس الثوري من النفوذ في بلدان المنطقة بشكل أكبر، وتعزيز القدرات الصاروخية، والاستمرار بالتجارب الباليستية في تحد واضح للقرارات الأممية.

هذا وترى غالبية قوى المعارضة أنه لا وجود لمعتدلين ومتشددين في المشهد السياسي الإيراني، ويعتبرون المنافسة بين أجنحة النظام بأنها تأتي في إطار الاختلافات حول كيفية الحفاظ على النظام وليس التغيير نحو التنمية والديمقراطية والدولة المسالمة مع شعبها وجيرانها.

مستقبل قيادة إيران

وبعد انتهاء النقاش من الانتخابات الرئاسية، بدأت الأخبار والتقارير والتحليلات تتجه نحو مستقبل قيادة إيران بعد المرشد المريض الذي يعمل على اختيار خليفته بنفسه، حسب ما كشف في وقت سابق المتحدث باسم مجلس خبراء القيادة الإيرانية أحمد #خاتمي، من خلال حديثه عن تعيين لجنة سرية لاختيار مرشحين لخلافة خامنئي.

وبينما كشف خاتمي وهو رجل دين متشدد من المقربين للمرشد، أن هناك مرشحين بالفعل اختارتهم اللجنة، ولم يطلع عليهم سوى خامنئي نفسه، تداولت الأوساط السياسية في إيران أسماء عدد من الشخصيات السياسية والدينية البارزة في البلاد، على رأسهم إبراهيم رئيسي.

روحاني خيار خامنئي المضطر

ويجمع الكثير من متابعي الشأن الإيراني على أن المرشد على الرغم من تفضيله وجود رئيس متشدد على رأس السلطة التنفيذية، إلا أنه لم يجد خيارا سوى السماح بإعادة انتخاب روحاني، بعدما قام بمنع الرئيس السابق المتشدد أحمدي نجاد من الترشيح.

كما أن وصول رئيس متشدد لسدة الحكم كان يعني عودة المزيد من العقوبات والعزلة الدولية على إيران، كما صرح قائد التيار الإصلاحي الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، في معرض دعمه لروحاني.

مستقبل رئيسي

من جهة أخرى، يقول الإصلاحيون إن رئيسي رغم عدم فوزه بالانتخابات فرض زعامته على التيار المتشدد وعلى المحافظين عامة، والذين يهيمنون على أغلب مؤسسات الدولة ومراكز صنع القرار في البلاد، وأن ذلك سيزيد من حظوظه لخلافة #خامنئي في المستقبل.

وقال رئيسي في أول تعليقات بعد الانتخابات "إنه لا يجب تجاهل ما يقرب من 16 مليون ناخب أيدوه، وأن حصوله على 38% من مجموع الأصوات تدعمه لمواصلة العمل على تحقيق قيم الثورة الإيرانية"، حسب تعبيره.

وبات إبراهيم رئيسي بعد الانتخابات الأخيرة قطبا للتيار المحافظ والمتشددين، لكن الكثير يرون أن حضوره في المناظرات التلفزيونية التي دارت بين المرشحين قبيل الانتخابات الرئاسية، أضر بسمعته بشكل كبير، خاصة عندما أعاد منافسوه للأذهان دوره في "لجنة الموت" التي نفذت إعدامات جماعية ضد آلاف السجناء السياسيين خلال صيف 1988.

كما بدا وجهه شاحبا ومتعبا خلال حملات الدعاية الانتخابية وكذلك في المناظرات التلفزيونية على الرغم من أن صفحته على فيسبوك مليئة بصور لأشجار وأزهار وبعض الروابط لمقطوعات موسيقية ولقائه بمغني "راب" وعد بأن يتوب على يديه ويقدم أغانيه الروحانية إلى الإمام الرضا (الإمام الثامن لدى الشيعة).

وينقل المقربون عن رئيسي أنه رجل ذو عقلية أمنية ومخابراتية، ودائما ما يتحدث في اللقاءات الرسمية بعيداً عن أجهزة الهاتف، كما يتخذ كافة الاحتياطات الأمنية في تنقلاته وزياراته للمحافظات.

ويحظى رئيسي بدعم قادة الحرس الثوري، وعلى رأسهم قائد الحرس محمد علي جعفري، وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، وقائد الباسيج السابق اللواء محمد رضا نقدي، الذين زاروه في مشهد قبل أشهر من الانتخابات، حيث اعتبرت قوى إصلاحية أن هذه الزيارة كانت بمثابة مبايعة لرئيسي بمباركة خامنئي.

هل سيخلف خامنئي؟

وهناك فرضيتان تتداولهما الأوساط الصحافية حول أسباب الدفع برئيسي من قبل خامنئي للمشاركة في الانتخابات الأخيرة، حيث تشير الأولى إلى أن يكون تداول اسم رئيسي وإبرازه إلى العلن "هدفا وهميا" يريد خامنئي من خلاله أن يبعد الأعين عن المرشح الحقيقي لخلافته كمرشد من بعده.

أما الفرضية الثانية فتقول إن خامنئي أراد إزالة رئيسي من الساحة من خلال التذكير بدوره في "لجنة الموت" وتاريخه الحافل بالجرائم خلال وجود في المناصب القضائية العليا، وهي الحربة التي استخدمها الرئيس الإيراني حسن روحاني ضده خلال الحملات الانتخابية.

المرشد المريض

لكن بالمقابل، يرى العديد من السياسيين أن المرشد الإيراني الذي يعاني من سرطان البروستاتا، يفضل رئيسي على غيره، حيث يعتبره أكثر المقربين التزاما بمبادئ النظام ومن أكثر الشخصيات حفظا لأسرار النظام، كما صرح رئيسي نفسه خلال الحملة الانتخابية.

وفي هذا السياق، كان أبو الحسن بني صدر، رئيس إيران المعزول في عام1981، والذي يعيش في المنفى في باريس، كشف في 15 أبريل/نيسان الماضي، عن وجود رسالة أرسلت من قبل جهات داخل النظام الإيراني إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، طالبته بالتريث بفرض عقوبات جديدة حتى وفاة خامنئي لكي يتم الإتيان بمرشد "معتدل" من بعده.

وقال بني صدر إنه " تلقى معلومات من داخل إيران بأن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يمر بوضع صحي حرج، وهو على وشك الموت بسبب تفشي المرض، وأن هناك من سرب للرئيس الأميركي ترمب رسالة بهذا الخصوص.

وأكد بني صدر في مقابلة مع موقع "إيران واير" المعارض، أن هناك جهات داخل النظام الإيراني سربت رسالة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، طلبوا خلالها التريث في فرض العقوبات الجديدة نظرا لتفشي المرض بجسم خامنئي، وأن موته أصبح وشيكا، لذا لو خفّت الضغوط على النظام سيتم الإتيان بشخص معتدل كما السيستاني في العراق، ليحل محل المرشد الإيراني".

وأضاف بني صدر: "أنا أرى أن هذه المعلومات صحيحة، لأن الكونغرس الأميركي أجّل العقوبات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وهذه الرسالة تشبه الرسالة التي وجهت في أواخر حياة الخميني إلى الرئيس ريغان".

من الأوفر حظاً؟

وهناك عدد من رجال الدين ممن يعتبرون الأوفر حظا - بعد وفاة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني أكبر هاشمي رفسنجاني، أبرز ساسة البلاد، في 8 يناير الماضي - وعلى رأسهم مجتبى خامنئي، نجل المرشد الحالي رجل المال والاقتصاد، وصولاً إلى نائب رئيس مجلس خبراء القيادة آية الله هاشمي شاهرودي، وهو الرئيس السابق للسلطة القضائية، وكذلك صادق لاريجاني، الرئيس الحالي للسلطة القضائية، إضافة إلى الرئيس الحالي حسن روحاني، وإبراهيم رئيسي طبعا.

وهناك رجال دين أقل حظاً لتولي منصب الولي الفقيه بعد خامنئي، وهم كل من آية الله جوادي آملي، وآية الله محمد تقي مصباح يزدي، المقرب من المرشد وعضو مجلس الخبراء، إضافة إلى رجل الدين المتشدد أحمد جنتي، الذي تولى ويتولى مناصب رفيعة في الدولة الإيرانية منذ الثورة عام 1979.