توضح وثيقة رسمية اطلعت عليها «رويترز» أن 131 مدنياً روسياً على الأقل لاقوا حتفهم في سورية خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، ويقول أقارب وأصدقاء القتلى ومسؤولون محليون إن هذا العدد يشمل متعاقدين عسكريين.

ولم تشر الوثيقة، وهي شهادة وفاة صادرة عن القنصلية الروسية في دمشق بتاريخ الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، إلى ما كان يفعله المتوفى في سورية.

لكن «رويترز» اكتشفت من خلال مقابلات أجرتها مع عائلات وأصدقاء بعض القتلى ومع مسؤولين في بلداتهم أن من بين القتلى متعاقدين عسكريين روساً لاقوا حتفهم أثناء قتالهم إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد الحليف لموسكو.

وتنفي موسكو وجود متعاقدين روس في سورية والخسائر التي يتعرضون لها. وترغب موسكو في تصوير تدخلها العسكري في سورية على أنه مهمة سلام ناجحة مع الحد الأدنى من الخسائر.

ولم ترد وزارة الدفاع الروسية على الفور على أسئلة تفصيلية طرحتها «رويترز». ولم يصدر أي رد من القنصلية الروسية في دمشق على طلبات للتعليق.

وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في بيان قدم اليوم (الجمعة): «ليست لدينا معلومات عن المدنيين الذين يزورون سورية. لذا فإنني أعتبر أن هذا السؤال قد تم تناوله».

وأرسلت «رويترز» تساؤلات إلى مجموعة من المتعاقدين العسكريين الروس العاملين في سورية من خلال شخص على معرفة بقياداتهم لكنها لم تتلق أي إجابة.

والعدد الرسمي للقتلى العسكريين الروس في سورية هذا العام هو 16. وقد يؤثر أي رقم أعلى بكثير من ذلك على سجل الرئيس فلاديمير بوتين قبل خمسة أشهر على الانتخابات الرئاسية التي من المتوقع أن يخوض غمارها.

ووفق إحصاء «رويترز» فإن عدد المتعاقدين الروس الذين قتلوا في سورية هذا العام يصل إلى 26 وذلك استناداً إلى مقابلات مع أقارب وأصدقاء القتلى والمسؤولين المحليين.

ولم تنشر السلطات الروسية علانية أي معلومات هذا العام عن الخسائر في صفوف المدنيين الروس الذين ربما شاركوا في القتال.

وقالت وزارة الخارجية الروسية إن القنصلية الروسية في سورية تقوم بواجباتها على أتم وجه في ما يتعلق بتسجيل وفيات المدنيين الروس. وأضافت أن البيانات الشخصية التي يتم الحصول عليها في عملية تسجيل الوفيات لا يمكن الكشف عنها علناً بموجب القانون.

وفي آب (أغسطس) الماضي قال الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف رداً على تقرير سابق لـ «رويترز» إن المعلومات عن المتعاقدين العسكريين الروس في سورية «خرافة» وإن «رويترز» تحاول تشويه عملية موسكو لإعادة السلام إلى سورية.

وقال ديبلوماسي روسي يعمل في قنصلية في مكان آخر في العالم والذي تحدث شريطة عدم نشر اسمه لأنه غير مخول له التحدث إلى وسائل الإعلام إن عدد الوفيات المسجل خلال تسعة أشهر وهو 131 عدد مرتفع في شكل غير معتاد بالنظر إلى العدد المقدر للمغتربين الروس في سورية.

وعلى رغم عدم وجود بيانات رسمية لعدد الجالية الروسية، فإن البيانات المستقاة من الانتخابات العامة الروسية تشير إلى أن نحو 5000 ناخب روسي مسجل في الدولة في 2012 و2016.
وقال الديبلوماسي «الأمر يبدو كما لو أن الجالية تموت».

وأضاف أن القنصليات الروسية عادة لا تسجل الأعداد المرتفعة للوفيات إلا في الأماكن السياحية مثل تايلاند أو تركيا.

ويقول مسؤول في القنصلية الروسية في دمشق والذي لم يكشف عن اسمه إن القنصليات الروسية لا تسجل وفيات العسكريين.

والوثيقة القنصلية التي اطلعت عليها هي «شهادة وفاة» صدرت لتسجيل وفاة سيرغي بودوبني (36 سنة). وكانت واحدة من ثلاث شهادات وفاة اطلعت عليها «رويترز».

وتدرج شهادة وفاة بودوبني التي تحمل ختم القنصلية سبب الوفاة على أنه «تفحم الجثة» وبمعنى آخر أنه مات محترقاً.

وتشير إلى أنه لاقى حتفه في 28 أيلول (سبتمبر) الماضي في بلدة التياس في محافظة حمص والتي شهدت قتالاً عنيفاً بين المتشددين والقوات الموالية للرئيس السوري. ولقي متعاقدون روس عدة حتفهم في المنطقة في وقت سابق هذا العام وفق ما أبلغ أصدقاؤهم وأقاربهم.

وأعيدت جثة بودوبني إلى روسيا وتم دفنها في قريته في جنوب روسيا بعد الوفاة بثلاثة أسابيع. وكان يعمل في سورية متعاقداً عسكرياً خاصاً كما أفاد أحد أقاربه وأحد أصدقائه.

وتحمل شهادة وفاة بودوبني في الجانب الأيمن العلوي رقماً مسلسلاً هو 131.

وتقضي لوائح وزارة العدل بترقيم كل شهادات الوفيات بدءاً من الصفر في بداية العام وصعوداً برقم واحد عن كل حالة وفاة جديدة يتم تسجيلها.

وأكد الديبلوماسي الروسي هذا النهج.

واطلعت «رويترز» على شهادتي وفاة أخريين صدرتا في الثالث من شباط (فبراير) الماضي. ويشير العددان تسعة و 13 إلى صدور خمس شهادات وفاة على الأقل في ذلك اليوم. ويقول ِأشخاص على علم بالأمر إنهما لمتعاقدين عسكريين.

ويقول الديبلوماسي الروسي إنه يتعين تسجيل وفاة أي مواطن روسي في القنصلية من أجل إعادة الجثة إلى روسيا عبر القنوات المدنية.

وقال الديبلوماسي إن صدور أي شهادة وفاة من القنصلية يساهم أيضاً في إعادة متعلقات الشخص المتوفى.

وقال مسؤول روسي سابق تعامل مع ست حالات على الأقل لروس قتلوا في سورية وأقارب أربعة متشددين روس قتلوا هناك إن جثث الروس الذين يقاتلون في صفوف المعارضة المسلحة لا تعود إلى الوطن.

ويقول المسؤولون الروس إن بضعة آلاف من المواطنين الروس المتعاطفين مع المتشددين سافروا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المتطرفين منذ بدء الصراع في 2011.