بعد خمسة أيام على وقوعها، أميط اللثام عن الكثير من تفاصيل العملية الإرهابية التي نفذها مواطن باكستاني لاجئ إلى فرنسا ضد ما كان يظن أنه موقع مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة التي أعادت نشر صور كاريكاتورية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بمناسبة انطلاق محاكمة الأفراد الذين كانت لهم علاقة بالمقتلة التي ضربت المجلة المذكورة بداية شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2015. وجاءت التفاصيل على لسان المدعي العام المختص بشؤون الإرهاب في باريس جان فرنسوا ريكار ضمن مؤتمر صحافي عقده بعد ظهر أمس فيما تداعيات هذه العملية ما زالت تتفاعل سياسيا، ويرشح أن تستمر على هذا المنوال في الأيام والأسابيع القادمة. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون سوف يلقي خطابا في الثاني من الشهر القادم يشرح فيه خطة حكومته لمحاربة ما يسميه «الانفصالية الإسلاموية». إلا أن ماكرون لم ينتظر هذا التاريخ ليبدي رأيه فيما حصل إذ تناوله أول من أمس مرتين: الأولى في مجلس الوزراء، حيث نقل عنه الناطق باسم الحكومة الوزير غبريال أتال قوله إن «التهديد الإرهابي ما زال جاثما» في فرنسا وإنه «مستعد لإعادة النظر بعدد من التدابير المعمول بها لمحاربته في إشارة إلى رغبته في مزيد من التشدد». والمرة الثانية من فيلنوس، عاصمة ليتوانيا، حيث كان في زيارة رسمية. ومن هناك، أكد ماكرون أنه عازم على محاربة الإرهاب على كل الجبهات، واعتبر أن منفذ هجوم يوم الجمعة الماضي في باريس «كانت لديه دوافع إرهابية»، مضيفا أن أكثر من هجوم إرهابي ضرب فرنسا ولكن دون تحديد المدى الزمني الذي وقعت فيه هذه الحصيلة.

تجدر الإشارة إلى أن وزير الداخلية جيرالد دارمانان أعلن يوم الأحد الماضي أن الأجهزة الأمنية عطلت 32 محاولة اعتداء إرهابية في السنوات الثلاث المنقضية.

توفر تصريحات المدعي العام ريكار أمس، أوضح شرح لتفاصيل العملية الإرهابية بفضل النتائج التي توصل إليها المحققون خلال الأيام الأربعة المنصرمة مع منفذ الاعتداء ومع أفراد من محيطه وبفضل «استنطاق» هواتفه وما تحتويه من تسجيلات واتصالات. وما حسمه ريكار أن الاسم الحقيقي للجاني هو زاهر حسن محمود وليس حسن علي وعمره 25 عاما وليس 18 عاما كما ادعى بداية، وهو مولود في باكستان بداية عام 1995 وليس في 10 أغسطس (آب) من عام 2002 وفق ما ادعى للأجهزة الإدارية، حتى يتم اعتباره قاصرا، ويحظى بالرعاية الاجتماعية ولا يطرد من فرنسا. وقد وصل محمود إلى فرنسا في عام 2018 برفقة شقيقيه الأصغر سنا منه وكلاهما أوقفا للتحقيق معهما. إلا أن القضاء أفرج أمس عنهما وعن الآخرين الذين قبض عليهم في المناسبة نفسها لضرورات التحقيق، ولمعرفة ما إذا كان الجاني قد استفاد من دعم من قبلهم بأي شكل من الأشكال. وأكد المدعي العام أن الأخير لم يكن معروفا لدى الأجهزة الأمنية بتطرفه الإسلاموي وليس موجودا على أي لائحة لأشخاص يمثلون تهديدا للأمن في فرنسا. أما بالنسبة للعملية الإرهابية التي قام بها في الشارع الذي تقع فيه المكاتب السابقة للمجلة الساخرة، فقد أفاد المدعي العام بأن زاهر حسن محمود قام بعمليته «عن سابق تصور وتصميم»، وبأنه كان ينوي الدخول إلى مكاتب المجلة وإحراقها. ولهذا الغرض، فقد اشترى مطرقة وساطورا من مخزن في مدينة سان دوني، الواقعة على مدخل باريس الشمالي وزجاجتين من سائل «وايت سبيريت» شديد الاشتعال. وقد وجد ذلك كله في حقيبة تحمل على الظهر قريبا من مكان العملية. واعترف محمود أنه قام بمراقبة الموقع ثلاث مرات «في 18 و22 و24 سبتمر» أي أن المرة الأخيرة حصلت قبل يوم واحد من العملية. لكن المدعي العام لم يشرح سبب تغيير خطة العملية، إذ إن الجاني لم يحاول الدخول إلى المكاتب السابقة ولم يستخدم المطرقة لخلع الباب الخارجي بل إنه جال في شارع نيكولا أبير، حيث موقع المجلة جيئة وذهابا ثم هاجم رجلا وامرأة بساطوره وكانا يدخنان سيجارة على مدخل شركة الإنتاج التلفزيوني «ليني بروميير» التي يعملان فيها وقد أصابهما بجروح بليغة استدعت إجراء عدة عمليات جراحية لإنقاذهما. خلال التحقيق معه، وفق تصريحات ريكار، قال محمود إن قيام «شارلي إيبدو» بإعادة نشر الصور الكاريكاتورية قد وضعه «في حالة من الغضب» وإنه قرر «تأديب هذه المجلة».

وتجدر الإشارة إلى أن «تنظيم القاعدة» أصدر بيانا في 11 سبتمبر (أيلول) في نشرته «أمة واحدة» هدد فيها المجلة الساخرة بأنها «ستكون مخطئة إذا ما اعتقدت أن اعتداءات 2015 كانت لمرة واحدة» في إشارة للعملية التي قام بها الأخوان كواشي في 7 يناير من عام 2015 حيث هاجما مقر المجلة وقضيا على غالبية محرريها ورساميها والعاملين فيها. كما جاء في بيان «القاعدة» أن رسالتها للرئيس ماكرون هي نفسها الرسالة التي وجهتها للرئيس السابق فرنسوا هولاند الذي كان رئيسا للجمهورية الفرنسية في عام 2015. واتهمت «القاعدة» حكومة ماكرون بأنها «أعطت الضوء الأخضر» لإعادة نشر الرسوم المسيئة. وكانت عملية الأخوين كواشي بداية انطلاق عشرات العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا في السنوات الخمس الماضية، وأفضت إلى قتل 160 شخصا وجرح عدة آلاف. بيد أن النيابة العامة والمحققين توصلوا إلى خلاصة مفادها أن زاهر حسن محمود قام بعمليته الإرهابية من غير تواصل مع الخارج ومنفردا. وكان مقررا أن يقدم الأخير إلى قاضي تحقيق ليوجه إليه رسميا تهمتين: القيام بمحاولة قتل إرهابية، والانتماء إلى عصابة إجرامية ذات غرض إرهابي.

وفي سياق متصل، أفادت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب في بيان لها أمس بأنه تم توقيف 29 شخصا خلال عملية استهدفت شبكة إلكترونية لتمويل الإرهاب استفاد منها عناصر في تنظيمي «القاعدة» و«داعش».

وفي تفاصيل البيان أن الأجهزة الأمنية قامت بـ55 عملية دهم في 26 دائرة مختلفة، وأدت إلى القبض على 29 شخصا تتراوح أعمارهم ما بين 22 و66 عاما ويشتبه بأنهم نقلوا أموالا عبر الشبكة إلى أقارب لهم موجودين في سوريا.