روى رئيس اللجنة الدولية للتغير المناخي والبيئة في الاتحاد العالمي للقناصل، اللواء الدكتور محمد مصطفى الجهني، مقتطفات من سيرة والده الراحل الذي تقاعد من القوات المسلحة عن عمر 65 عاما، وتطوع في حرب الخليج الثانية عن عمر 74 عاما، ليصبح الأكبر سنًا بين المتطوعين أثناء الحرب.
نقطة تحول
بدأ "مصطفي ابراهيم الجهني" رحلته التعليمة في كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم، حيث تعلم القراءة والكتابة في مدينة ضباء، وتمكن من إنهاء دراسته الابتدائية عن طريق مدارس تعليم الكبار، كما عمل في التجارة بين ضباء ومدينة سفاجا المصرية على السفن الشراعية التي كانت تنقل البضائع، لكنه توقف عن ذلك بسبب تعلقه بتعلم إصلاح وصيانة الأسلحة في الورشة التي كان يملكها والده، وخاصة بعد زواجه من ابنة قاضي مدينة الوجه الشيخ مصطفى السحلي، وانتقاله مع والده إلى مدينة حائل حيث التحق بالجيش.
بداية عسكرية
وذكر "الجهني"، في تصريح لـ"أخبار 24"، أن أباه التحق بالقوات المسلحة في مدينة حائل عندما انتقل مع والده خبير الأسلحة، الذي اكتسب خبرة كبيرة في صيانة وإصلاح الأسلحة، وعلّمها فيما بعد لأولاده عندما كان يعيش في ضباء.
وأضاف أن عائلة والده انتقلت بالكامل مع والدهم، حينما انتقلت الكتيبة العسكرية بقيادة الفريق الأول "سعيد العمري"- رحمه الله- إلى حائل في عام 1364ه، وتم تعيين "مصطفى" واثنين من إخوته في الكتيبة العسكرية لتغطية النقص الحاصل في صيانة وإصلاح أسلحة الكتيبة، كمساعدين لوالدهم الذي أسس ورشة إصلاح وصيانة الأسلحة في مدينة حائل.
الانتقال إلى الطائف
وأشار "الجهني" إلى أنه بحكم مصلحة العمل والرغبة في توزيع هذه الخبرات الكبيرة على قطاعات القوات المسلحة، انتقل والده الراحل إلى مدينة الطائف، ليساهم وبشكل كبير في وضع أول ورشة لصيانة وإصلاح أسلحة القوات المسلحة.
وأضاف أنه خلال تلك الفترة تلقى العديد من الدورات المتخصصة في صيانة وإصلاح الأسلحة المتوسطة والثقيلة مثل مدافع الهاون، والمضادة للطائرات، والأسلحة التقليدية، واستطاع من خلال خبرته المتراكمة تخريج عدد من الفنيين المتخصصين في إصلاح وصيانة الأسلحة.
ولفت نجل المسن الراحل إلى أن مسيرة والده العسكرية امتدت إلى مدينة الخرج، حيث أسس أيضًا ورشاً لصيانة الأسلحة وتدريب العاملين فيها، حيث يتم عادة صيانة الأسلحة المختلفة وإصلاحها، ومن ثم القيام بعملية تجربتها في ميادين الرماية المخصصة لهذا الغرض.
مرحلة جديدة
شارك "مصطفى" مع القوات المسلحة في الكويت عندما كان عبدالكريم قاسم رئيس العراق الراحل ينوي غزو الكويت، حيث تصدت له القوات السعودية وأرجعته إلى صوابه، كما شارك في حرب اليمن في أعقاب الانقلاب على الملكية، وحرب الوديعة عام 1969م.
كما حصل على الكثير من شهادات الخبرة والشكر من رؤسائه ومن البعثات الأمريكية؛ لمهارته وقدراته الفائقة في تصنيع قطع غيار للأسلحة، بحيث يعيدها للعمل في الميادين دون الحاجة لانتظار تأمين قطع غيار من الخارج، كما ابتُعث لأمريكا وفرنسا وساهم في اختيار تسليح القوات المسلحة من تلك الدول.
حياته الأسرية
حرص "مصطفى" مع زوجته على حصول أبنائه وبناته على أعلى درجات التعليم، والذين بعد تخرجهم من الثانوية العامة التحقوا بالجامعات، والكليات العسكرية، وعملوا في عدة جهات، من بينهم ضابط بقطاعات وزارة الداخلية وموظف بوزارة الداخلية، وثالث كابتن طيار في الخطوط السعودية، ورابع مهندس في القوات الجوية، وآخر خريج علوم الحاسب الآلي في جامعة أمريكية، إضافةً إلى خبير أسلحة في شركة أرامكو.
مرحلة التقاعد
عندما وصل إلى سن التقاعد لم تتركه القوات المسلحة، بل تعاقدت معه لتغطية أي نقص يحصل بعد خروجه للتقاعد، حيث انتقل مرة أخرى إلى مدينة الطائف للعمل مع القوات المسلحة بوظيفة مستشار فني للأسلحة، وخاصة أسلحة الطائرات المقاتلة، ثم انتقل بعدها إلى المدينة المنورة التي كانت بالنسبة له حلما أن يعمل فيها، وأن يقضي فيها باقي سنين عمره، وعندما بلغ عمر السبعين قرر التوقف عن العمل، وأن يقضي وقته في العبادة بالقرب من المسجد النبوي.
حرب الخليج
عندما أعلنت القيادة في المملكة فتح باب التطوع للدفاع عن أرض الوطن بعد احتلال الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين للكويت عام 1990م، توجه لحدود المملكة، وشارك في أول دورات التطوع وعمره 74 عاما، ليكون أكبر سعودي متطوع يشارك في التدريبات والاستعدادات العسكرية، كما كان يساهم في تدريب المتطوعين على استخدام الأسلحة والرماية عليها بحكم خبرته الطويلة في هذا المجال.
آخر وصية في حياته
لفت "الجهني" إلى أن الله- سبحانه وتعالي- حقق لوالده في نهاية مطاف حياته أمنية كان يتحدث بها ويوصي بها أبناءه، وهي أن يموت ويدفن بالمدينة المنورة، مؤكداً أن ذكرى والده الراحل وطيب سيرته كانت دائما على لسان زملائه وقادته في وقت السلم والحرب.