شدّدت المجموعة العسكرية الحاكمة في بورما الطوق على الزعيمة المدنيّة السابقة أونغ سان سو تشي، بعدما حُكم عليها الإثنين بالسجن أربع سنوات في إطار إحدى القضايا الكثيرة الملاحقة في إطارها والتي قد تتعرّض في ختامها لعقوبة السجن لعقود.
قال مصدر مطّلع على الملف إنّ الحائزة جائزة نوبل للسلام التي تخضع للإقامة الجبريّة منذ انقلاب الأول من شباط/فبراير 2021، أُدينت بتهمة استيراد أجهزة اتصال لاسلكيّة بشكل غير قانوني.
وفي ردّ على الحكم، قالت اللجنة النروجية المانحة لجوائز نوبل "إنه حكم سياسي"، معربة عن "قلق عميق إزاء وضعها".
بدورها، ندّدت الولايات المتحدة بالحكم، مطالبة ب"الإفراج الفوري" عن الزعيمة السابقة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين إن "اعتقال أونغ سان سو تشي واتهامها وإصدار حكم جائر بحقها من جانب النظام العسكري البورمي تشكّل إهانة للعدالة ولدولة القانون".
وفي باريس، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن-كلير لوجاندر إنّ "هذه المهزلة القضائية تفاقم وضعا سياسيا يثير قلقا كبيرا".
واضافت أن فرنسا، على غرار الاتحاد الاوروبي، تدعو "الى حوار سياسي يجمع كل اطراف النزاع" في بورما، والى "الوقف الفوري لهجمات الجيش على سكان مدنيين والإفراج من دون شروط عن جميع السجناء السياسيين المعتقلين منذ الاول من شباط/فبراير 2021".
وسبق أن حُكم على سان سو تشي (76 عاما) في كانون الأول/ديسمبر بالسجن لمدة أربع سنوات لخرقها القيود المفروضة على فيروس كورونا، وهو حكم خفّضته المجموعة العسكرية لاحقا إلى عامين.
وتمضي أونغ سان سو تشي هذه العقوبة الأولى في المكان المحتجزة فيه من دون أي اتصال بالعالم الخارجي منذ توقيفها قبل سنة تقريبا.
وأكد الناطق باسم المجموعة العسكرية زاو مين تون الحكم الصادر الاثنين لوكالة فرانس برس، موضحاً أن سو تشي ستبقى رهن الإقامة الجبرية خلال محاكمتها.
من جانبها، قالت ديبي ستوتهارد من منظمة "Alternative ASEAN Network on Myanmar" غير الحكومية إن هذه الإدانة الجديدة هي "ازدراء لرابطة أمم جنوب شرق آسيا التي تحاول من دون جدوى بدء حوار في بورما" مضيفة "يتعين على الكتلة التنسيق بشكل أكبر مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويجب فرض عقوبات جديدة ضد المصالح الاقتصادية للجنرالات".
واعتبرت ماني مونغ الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية أن هذه الإدانة الجديدة "تهدد بزيادة غضب سكان بورما".
وأضافت "الجميع يعلم أن هذه الاتهامات باطلة (...) يستخدم العسكريون أسلوب الترهيب هذا لإبقائها رهن الاعتقال التعسفي" وابعادها نهائيا من الساحة السياسية.
ووجهت إلى أونغ سان سو تشي تهمة الفتنة والفساد والتحريض على الاضطرابات العامة وتزوير الانتخابات، مرات عدة في الأشهر الأخيرة.
وتقام محاكمتها في جلسات مغلقة أمام محكمة انشئت خصيصا في العاصمة نايبيداو حيث تلاحق إلى جانب رئيس البلاد السابق وين مينت الذي اوقف أيضا في شباط/فبراير الماضي.
وسبق أن صدرت أحكام طويلة على مقربين عدة من الزعيمة المدنية السابقة للبلاد. فحكم على وزير سابق بالسجن 75 عاما وعلى أحد معاونيها 20 عاما فيما انتقل آخرون للاقامة خارج البلاد أو باتوا يعيشون بالخفاء.
وأغرق الانقلاب البلاد في الفوضى. وقتلت قوات الأمن منذ ذلك الحين أكثر من 1400 مدني، فيما بدأت ميليشيات شعبية كفاحا مسلحا في أرجاء بورما.
ويتعلق الحكم الصادر الاثنين، على وجه الخصوص، بالاستيراد غير القانوني لأجهزة الاتصال اللاسلكي. ويفيد الادعاء أن هذه الأجهزة المهربة اكتشفت خلال تفتيش مقر إقامة أونغ سان سو تشي الرسمي لدى توقيفها.
واقر بعض العناصر الذين دهموا منزلها بعدم حيازتهم لأي مذكرة لتنفيذ هذه المهمة، بحسب مصدر مطلع على الملف.
تضاءل النفوذ السياسي لأونغ سان سو تشي بشكل كبير منذ الانقلاب، مع بروز جيل جديد حمل السلاح ضد المجموعة العسكرية ويملك آراء أكثر تقدمية.
لكن ابنة بطل الاستقلال، رمز الديموقراطية خلال سنوات إقامتها الجبرية في ظل الديكتاتوريات العسكرية السابقة، لا تزال تحتل مكانة خاصة لدى الشعب البورمي.
واشارت ماني مونغ إلى أن الحكم الذي صدر بحقها في كانون الأول/ديسمبر "أثار غضبًا بالغاً وسيل من الاحتجاجات على مواقع التواصل الاجتماعي".
واونغ سان سو تشي محتجزة في مكان سري مع فريق صغير. وتقتصر اتصالاتها بالخارج على اجتماعات مقتضبة مع محاميها الذين يُحظر عليهم التحدث إلى الاعلام والمنظمات الدولية.
يُعتقد أن 175 شخصًا على الأقل، بينهم العديد من أعضاء حزبها، الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية، ماتوا خلال احتجازهم، "على الأرجح بسبب سوء المعاملة أو أعمال التعذيب"، وفق ما نددت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه مطلع كانون الأول/ديسمبر.
وأطيح حزب سو تشي في انقلاب عسكري بعد اتهامات تزوير في انتخابات 2020 التي هُزم فيها حزب سياسي مقرب من الجنرالات وفاز فيها بفارق كبير حزب الرابطة الوطنية من اجل الديموقراطية.