أعلنت السلطات الروسية مساء أمس (السبت)، عن انفجار سيارة بظروف غامضة، قرب قرية "بولشي فيازيوما"، بالعاصمة الروسية موسكو، ما أسفر عن مقتل امرأة.

وقال شهود عيان، إن السيارة استدارت على طريق موزايسك السريع، بعدها اشتعلت النيران بها، وفقدت المرأة السيطرة عليها، إلى هنا يمكن التفكير أن هذه الحادثة اعتيادية، لكن إعلان السلطات أن السيارة لداريا دوغين، ابنة الفيلسوف الروسي الشهير، ألكسندر دوغين، هو ما جعل التحليلات تجمع على أن الحادث يرتقي لمحاولة اغتيال له، فمن هو ألكسندر دوغين، كي يكون هدفا لمحاولة اغتيال؟

عقل بوتين المدبر

يوصف دوغين بكونه فيلسوف الرئيس الروسي بوتين المقرب، وهو عقله المدبر، يرى ويخطط لينطق بوتين، له توجهات محافظة ويؤمن بروسيا الجديدة، لكنه أيضًا إن صح التقدير هو صاحب رؤية تنفيذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

بوشكين ودوغين

رغم تشابه الأسماء بين ألكسندر دوغين وألكسندر بوشكين الروسي أيضًا، فإن توجهاتهما نحو الحرية ورؤيتهما للواقع مختلفة، فبوشكين نفي من روسيا بعد "أغنية الحرية"، و"دوغين" يبقى في روسيا وينظر لها، ويراها محافظة، بل ويعد شريكًا لبوتين في حكمه وإن لم يكن ذلك ظاهرًا للعيان.

تاريخ طويل

دوغين الذي ولد في عام 1962، ويبدو في مشهده العام أقرب إلى أستاذ الجامعة أو قس، ولد لأب جنرال، في دائرة الاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان العامة بالاتحاد السوفياتي السابق، تمامًا كما ولد ألكسندربوشكين، لكن دوغين بدأ دراسة الطيران في معهد موسكو، ثم غير طريق حياته ليدرس الفلسفة، ثم العلوم السياسية ويحصل على درجة الدكتوراه في التخصصين.

ثائر قديم

صحيح أن دوغين ثار في شبابه لإسقاط يلتسن، إلا أنه لم يكن ثائرًا على طول الخط، فهو الذي يرى أن خسارة بلاده، لا يمكن تعويضها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.

وانتقل من صفوف الثورة والمعارضة إلى معسكر الموالاة مع وصول بوتين إلى سدة الكرملين عام 2000، وهو يعتقد أن روسيا منذ التسعينات قد مضت وراء الأطروحات الغربية، حتى جاء بوتين حارسها الأمين ومعيد مجدها الخارجي، وحافظ الداخل وقيمه.

النظرية السياسية الرابعة

لا يعترف دوغين بالنظرية الليبرالية أو الشيوعية أو الفاشية، لكنه يعترف بنظريته "السياسية الرابعة"، التي تقدّم نموذجاً جديداً خارجاً عن الشيوعية والليبرالية والفاشية، نظرية تقول بحق الجميع في الحياة والشراكة، لفرد كان أو طبقة، لأي صاحب عرق أو دين.

وعبر بوتين عن نظرية دوغين في كلمته بمؤتمر ميونيخ، عام 2007، حين طالب بعالم أكثر عدالة ومساواة، وفيه فرص متكافئة لجميع البشر، ومن غير زيف ما يمكن أن يطلق عليه "القطب الواحد المتشدق بالنظام العالمي الوهمي الجديد".

في نظريته، يدافع دوغين عن الصالح العام، ذلك الذي ينضوي تحت ثقافات الأمم والشعوب، من دون عزل أو إبعاد، ومن غير إقصاء أو فوقية إمبريالية.

يظهر أثر نظرية دوغين عن السياسة الرابعة، واضحاً في مطالبات بوتين بعالم متعدد الأقطاب، فيه الحضارات تتحاور وتتجاور.

واعتبر عقل بوتين، أو في رواية أخرى ألكسندر دوغين، أن ما جرى من تقديم دعم عسكري روسي إلى سوريا، هو فعل طبيعي للدفاع عنها ضد تنظيم داعش الإرهابي الذي يعتبره منتجا أمريكيا، يمثل خطرًا مباشرًا على روسيا، قد تجده على حدودها وفي أراضيها إن لم تقاومه الآن.

ويرى دوغين الحرب ضد جورجيا، وضم شبه جزيرة القرم، والحملة العسكرية في سوريا حيث لروسيا قاعدة بحرية في طرطوس، كلها إجراءات تمليها الضرورة على روسيا.

ودائمًا ما يوجه دوغين أصابع الاتهام للأمريكيين، في تذكية الخلافات بين الشعب الأوكراني والروسي، بل ويجزم بدعم أمريكي لأوكرانيا لتوجيه ضربة لروسيا، وهو ما يتعارض مع محاولات بوتين لإحياء التاريخ الأوكراني والروسي على حد سواء والتي وصفها بالإصلاحات الوطنية.
يرى دوغين أنه فيما يخص الأزمة الأوكرانية، لا يوجد سوى حل واحد لهذا الوضع: تقسيم أوكرانيا إلى قسمين، مع الاعتراف بالسيادة لكل النصفين – الضفة اليمنى الغربية لأوكرانيا، ونوفوروسيا، مع وضع خاص لكييف.