بأرقام قياسية لامثيل لها، وإنجازات غير مسبوقة، وألقاب ومسميات فريدة وعديدة تنوعت بين "لاعب القرن"، و"الجوهرة السمراء"، و"الملك"، و"الأسطورة"، سطر النجم البرازيلي بيليه، تاريخاً كروياً ظل يعزف به منفرداً دون منازع لعشرات السنين، قبل أن توافيه المنية عن عمر ناهز الـ82 عاماً.
فبعد صراع دام لأعوام مع سرطان القولون، وما ارتبط به من مضاعفات مرضية أخرى، رحل أسطورة كرة القدم البرازيلية إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو، والمشهور باسم "بيليه"، عن عالمنا؛ إثر فشل العلاج الكيميائي في تحقيق التأثير المطلوب مع السرطان، الذي تسبب أيضاً في مضاعفات بالقلب ومناطق أخرى بجسده.
كما عانى بيليه في أعوامه الأخيرة من مشاكل في الكلى والفخذين؛ مما قلل من قدرته على الحركة وأجبره على استخدام مساعد المشي، أو كرسي متحرك.
بيليه الطفل
ولد بيليه في 23 أكتوبر 1940 في مدينة تريس كاراكوس بالبرازيل، وعمل في نادي باورو أتلتيك كلوب؛ إذ كان ينظف أحذية اللاعبين أيام المباريات، وقد تعلم لعب الكرة من والده الذي كان يلعب في نادي أتلتيكو مينيرو، والذي أصيب في ركبته ما اضطره إلى اعتزال الكرة.
وبدأ بيليه مسيرته الكروية مع نادي سانتوس وهو بعمر الـ15، ولعب مع منتخب "السيليساو" وهو بعمر الـ16، ولعب كمهاجم وكصانع ألعاب، واشتهر بلعب الكرات الخلفية، وقال إنه نادم لأنه لم يسجل مثل هذه الكرة في كأس العالم.
مسيرة كروية منقطعة النظير
ووفق "الفيفا"، يملك بيليه سجلًا قياسيًا من الأهداف يبلغ 1281 هدفًا، في 1363 مباراة، وتم إدراجه في موسوعة غينيس للأرقام القياسية لأكثر لاعب سجل أهدافًا رسمية في كرة القدم، كما سجل 92 ثلاثية (هاتريك) في مناسبات مختلفة.
بيليه في المونديال
ورغم السجل الكروي الحافل بالإنجازات لدى بيليه، إلا أن شهرته ارتبطت تاريخيًا ببطولة كأس العالم لكرة القدم؛ إذ يملك أرقامًا قياسية عدة لم يتمكن أي لاعب آخر من تحطيمها، كونه الوحيد الفائز بكأس العالم لثلاث مرات لاعباً، ولا يشاركه أحد في هذا الرقم القياسي.
وظهر بيليه في سن مبكرة في مونديال 1958 بالسويد، ويعد أصغر لاعب فائز بكأس العالم، حيث كان عمره 17 عامًا و249 يومًا عندما فاز بها مع البرازيل عام 1958، ثم حقق البطولة ذاتها مع بلاده عامي 1962 و1970، قبل أن يعتزل في عام 1977.
وبجانب أرقامه في المونديال، يصنف بيليه كأحد أعظم اللاعبين على مر تاريخ لعبة كرة القدم، إن لم يكن أعظمهم، وقد سجل 77 هدفاً في 92 مباراة دولية بقميص منتخب بلاده، وهو رقم قياسي آخر، لم يصل إليه أحد من لاعبي بلاده من حيث عدد الأهداف الدولية.
ولعب بيليه لنادي سانتوس البرازيلي بين عامي 1956 و 1974 وأحرز معه 643 هدفاً في 659 مباراة، ثم انتقل إلى نيويورك كوزموس للفترة من 1975 إلى 1977 وأحرز معه 66 هدفاً في 107 مباريات.
وبالإضافة إلى بطولاته المونديالية الثلاث، فقد أحرز 18 بطولة محلية وقارية أخرى، سواء مع الناديين اللذين لعب لهما، أو مع منتخب "السيليساو".
لاعب القرن العشرين
مسيرة إنجازات بيليه لم تتوقف عند أرقامه القياسية في المونديال، وكذلك البطولات الأخرى، فقد اختير في عام 1999 من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، كأحد أفضل رياضيي القرن العشرين، كما حصل آنذاك على لقب أفضل لاعب في القرن نفسه من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
وخلال مسيرته الكروية، كان بيليه ممن يتقاضون أعلى الأجور في عالم كرة القدم آنذاك؛ بسبب موهبته، حتى إن رئيس البرازيل جانيو كوادروس في عام 1961 أعلن أن بيليه هو ثروة قومية.
وعقب اعتزاله، تم تعيين بيليه سفير لكرة القدم في جميع أنحاء العالم، وفي عام 2010، أعطي بيليه منصب الرئيس الفخري لنيويورك كوسموس، وفي 2013، حصل بيليه على كرة الفيفا الشرفية من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم.
شمس استعصت على الغياب
ولأن شمس بيليه كانت تأبى دائماً أن تغيب عن ملاعب كرة القدم حتى في أيامه الأخيرة التي اشتد فيها المرض عليه، فقد أضاء اسم أسطورة كرة القدم البرازيلية، سماء الدوحة خلال كأس العالم 2022، عبر عرض بواسطة طائرات دون طيار، تزامناً مع التقارير عن معاناته من مضاعفات صحية.
وآنذاك، نشر حساب الاتحاد الدولي لكرة القدم لقطات مصورة من الحدث، فيما شكر بيليه عبر حسابه في انستجرام قطر على عرضها صورته على برجين في الدوحة، بينما حملت الجماهير البرازيلية لافتة كبيرة تحمل اسمه وصورته وقميصه في مدرجات ملعب لوسيل، خلال مباراة البرازيل والكاميرون، بالجولة الأخيرة من دور المجموعات لنهائيات مونديال 2022، متمنية له الشفاء، قبل أن توافيه المنية.
بيليه الإنسان
ولم يكن بيليه مجرد لاعب كرة قدم، لكنه كان حريصاً على القيام بدوره الإنساني والاجتماعي مع المحتاجين والمأزومين، فلم ينسَ أحد وقوفه مع فينيسيوس جونيور نجم ريال مدريد، قبل أشهر، عندما تلقى تهديدات عنصرية بسبب رقصته الشهيرة إثر تسجيله الأهداف.
وآنذاك قال بيليه إن: "كرة القدم متعة، إنها رقصة، إنها حفلة حقيقية، على الرغم من استمرار وجود العنصرية، إلا أننا لن نسمح لذلك بمنعنا من الاستمرار في الابتسام. وسنواصل محاربة العنصرية بهذه الطريقة.. النضال من أجل حقنا في أن نكون سعداء".