في الوقت الذي تحلّى فيه الوفد السعودي الضخم المشارك في منتدى دافوس الاقتصادي بالأناقة منذ مجيئه إلى سويسرا، ما فتئ هذا الوفد يشرح التقدم المحرز في إطار رؤية السعودية 2030، ومسيرة التحول والتنمية التي تستهدف الوصول لاقتصاد مزدهر ومتنوع ومنفتح على فرص التعاون المشترك مع العالم.
وعلى مدار خمسة أيام وفي جلسات حوارية متعددة ناقش الوفد السعودي برئاسة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان؛ الحاجة إلى الاستثمار في الحلول التحولية لدفع عجلة التنمية المستدامة حول العالم، وتعزيز مرونة التبادل التجاري وسلاسل الإمداد، والتأكيد على أهمية ضمان شمولية أمن الطاقة للجميع.
وشارك الوفد خلال المنتدى العالمي خبراته مع المجتمع الدولي حول كيفية تجاوز التحديات التي فرضتها الجائحة، وتقديم الرؤى العميقة حول أفضل الحلول والممارسات التي طورتها المملكة للحفاظ على أدائها المتين في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية العالمية.
ثوابت سياسية راسخة
على الجانب السياسي كان التأكيد على رسوخ وثبات سياسة المملكة الخارجية، والتي تحكمها المصلحة الوطنية وتوازن العلاقات وتعزيز التحالفات، وفي هذا السياق أكدت سفيرة المملكة في واشنطن الأميرة ريما بنت بندر أنه رغم أن العلاقات مع الدول الأخرى بما فيها الولايات المتحدة تشهد بعض التقلبات أحيانا، إلا أن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وثيقة منذ العديد من السنوات، كما وقف كِلاهما مع بعضهما البعض في العديد من المواقف، وأن هذه الشراكة تخلق عالما أكثر استقرارا في أوقات النزاع.
وأضافت أن التعاون بين البلدين سبب لعدم سماع الكثير من الأخبار عن الإرهاب في العالم اليوم، لافتة إلى أن هناك الكثير من الاختلافات بين البلدين إلا أن ذلك لا يؤثر على الشراكة بينهما، خاصة أن أكبر اقتصاد في العالم في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما لدى المملكة أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط.
مركزية القضية الفلسطينية وثبات الموقف السعودي حيالها، كان محور حديث وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، خلال المنتدى، بتجديده التأكيد على أن الاتفاق على إقامة دولة فلسطينية "شرط مسبق" لإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، وأن التطبيع مع إسرائيل لصالح المنطقة لكن الاستقرار لن يتحقق إلا بدولة للفلسطينيين.
الاقتصاد السعودي "نقطة مضيئة"
ولكون الاقتصاد محور نقاش المنتدى الرئيسي، كان حديث الوفد السعودي في جلسات متعددة على متانة الاقتصاد السعودي وازدهاره رغم التضخم والأزمات الجيوسياسية العالمية، حيث أكد وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم أنّ المملكة في وضع جيد لتجاوز مستويات النمو المتوقعة لعام 2023، معرجاً على تحقيق المملكة أسرع نمو بين دول مجموعة العشرين في 2022، ونمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8.5%، مدفوعًا بنسب نمو مرتفعة للغاية للأنشطة غير النفطية واقتصاد القطاع الخاص.
كما توقع وزير المالية محمد الجدعان تراجع معدل التضخم في المملكة إلى نحو 2.5 خلال العام الجاري، حيث تم اتخاذ عدة خطوات لكبح جماحه أبرزها وضع سقف لأسعار الوقود وزيادة الدعم للفئات المستحقة من المواطنين، ومبيناً أن التضخم في المملكة لم يرتفع للمستويات العالية التي بلغها في بعض الدول حيث تجاوز 8% عام 2022.
وكشف وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم، عن سعي المملكة للقيادة والريادة في قطاع الطاقة النظيفة، فضلاً عن تركيزها على العديد من القطاعات الواعدة مثل: السياحة، والثقافة، والرياضة، والترفيه، وذلك لتنويع الاقتصاد وازدهاره، مضيفاً أن المملكة تستهدف رفع مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030.
وفي إطار سعيها لجذب الاستثمارات، كشف وزير الاستثمار خالد الفالح عن ارتفاع أعداد الشركات التي مُنحت تراخيص لإقامة مقار إقليمية في المملكة بنهاية عام 2022 إلى 80 شركة، كما بيّن أن المملكة تستثمر في قطاع السيارات الكهربائية بوصفه قطاعًا واعدًا، حيث تستهدف تصنيع 500 ألف سيارة كهربائية سنويا بحلول 2030، مشيراً إلى إعلان مرتقب في النصف الأول من عام الحالي عن مشروع شراكة جديد بين السعودية وشركة عالمية لإنتاج السيارات الكهربائية.
هذا العرض من الوفد السعودي تكلل بإشادة مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا بالتقدم المحرز في تحقيق أهداف رؤية 2030، وأضافت أن الاقتصاد السعودي أصبح نقطة مضيئة للاقتصاد العالمي واقتصاد المنطقة.
"نيوم ستذهل العالم"
حرص الوفد السعودي أيضًا على تعريف العالم بمشروع نيوم الفريد، الذي أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية ومبعوثها للمناخ، عادل الجبير، أنه سيغير طريقة نظرة العالم للمدن بشكل جذري، واصفاً إياه بأنه مشروع تحولي لم يره العالم من قبل، باعتباره فكرة خارج الصندوق.
وأضاف أن المدينة التي تتسع لـ9 ملايين نسمة ستتميز بحياة مستدامة، مشدداً على أن بناءها سينتهي في الوقت المحدد، في الوقت الذي كشف فيه الرئيس التنفيذي لنيوم المهندس نظمي النصر عن إنجاز 20% من أعمال البنية التحتية للمشروع، بينما يشهد العام المقبل افتتاح جزيرة سندالة ومن ثَم بقية الجزر.
وعلى هامش دافوس، انضمت المملكة ممثلةً بوزارة الاقتصاد والتخطيط، إلى تحالف الوظائف التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، بهدف بناء اقتصاد حيوي ومزدهر يفتح المجال لقطاعات عمل جديدة تولّد مئات الآلاف من الوظائف وتدعم الابتكار على جميع المستويات.
تحذير من هجمات سيبرانية كارثية
رجح أكثر من 93% من خبراء قطاع الأمن السيبراني و86% من قادة الأعمال احتمال وقوع حدث سيبراني كارثي في العامين المقبلين، محذرين من أن شحّ المهارات السيبرانية يهدد أمن المجتمعات والبنى التحتية الرئيسية.
ودعا المنتدى إلى تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، بهدف الاستفادة من برامج مهارات الأمن السيبراني الناجحة حول العالم، كما حثّ على الاستثمار في التقنيات الجديدة وتسخير الذكاء الصناعي في التصدي للإجرام الرقمي.