لا يختلف اثنان؛ على أن الآلة الوحشية لجماعة الحوثية، طالت البلاد والعباد، وعاثت في الأرض فساداً على مدى سنوات، وتعددت أصناف وأشكال أفكارها "الشيطانية" وبلغت مبلغاً لا يُخيل لأحد.

ويلتصق كثير من صور البشاعة والإجرام، في ذاكرة مئات آلاف البشر من الشعب اليمني؛ لكن الطفل اليمني فراس هزاع، الذي فقد أصابعه؛ نتيجة لغمٍ حوثي على شكل لعبة، يأتي ضمن من طالتهم أفكار جماعة الحوثي الإجرامية، وتسببت للطفل البريء، بحالة من الهلع والخوف الشديدين، من أي شيء له علاقة بفرح ومرح الطفولة؛ ليجد نفسه في صفٍّ بعيد عن من هم في ذات فئته العمرية، الذين يطربهم اللهو واللعب.

وفراس ذو الأربع سنوات، ضمن مئات الأطفال في اليمن، علاقتهم بالألعاب تغيرت وانقلبت رأساً على عقب كساعة رملية؛ بسبب الألغام المموهة التي تنشرها الجماعة الإرهـابية في الطرقات، وبالقرب من المدارس، والحدائق، والحقول.

فالألغام في اليمن غزت حياة الأطفال، وأتت على مساحة طفولتهم، وحرمتهم اللعب والمرح والصحة، ونالت حتى من ألعابهم، التي قد تبدو على شاكلة ألعاب مغرية؛ لكن؛ ما إن يهرع لها طفل ما، حتى تنفجر بين يديه، وتهشم قلبه ووجدانه، وتشوه تلك الصورة الناصعة الجميلة والبريئة التي يحملها كل أطفال العالم حيال الألعاب.

وفراس الصغير، بالكاد يتحدث عما جرى، بمفردات متلعثمة ومتقطعة، يشوبها كثير من الخوف. يقول الطفل: "وجدت شيئاً جميلاً على الأرض، وظنته لعبة، فمسكته لألهو به فانفجر وقطع أصابعي.. لا أريد الألعاب أبداً، ولا أريد أن تقطع يدي مرة ثانية".

وتلك العبارات لا محالة، تكشف بشكلٍ جلّي، بشاعة جرائم جماعة الحوثي، واتخاذها الألغام أسلوباً لتنفيذ أجندتها الإرهـابية، فالأفكار الشيطانية والمآرب القبيحة، ترتع في جحيمها الألغام، ويغرق بها وفيها ضحايا في اليمن بأبشع طرق الانتقام، وما فراس إلا نموذج من أطفال اليمن، ممن فتكت بهم الألغام ظلماً، واستباحتهم دون أي مبرر بسـلاحها الأعمى، الذي لا يرحم ولا يعترف بالقيم الإنسانية، ولا يراعي للأبرياء عذراً ولا ظرفاً.

والتشوه الذي يعاني منه الطفل فراس سيكتب لحياته مسيرةً أخرى؛ لن يستطيع تجاوزها، على رغم من جهود والده لمصالحته مع عالم الألعاب، وإبراز براءتهانقية من كيد القتل والتنكيل بالأطفال، وأن المجرم الحق هو الألغام.

فحينما يقدم والده له لعبة ما، يتراجع للوراء ينظر إليها طويلاً، وكأنه يسترجع شريط آلامه؛ وهو يستمع لتطمينات وتشجيعات والده، التي تدفعه للاقتراب من اللعبة قليلاً، فيلمسها من بعيد، ثم يتراجع مسرعاً كأنه يختبر تجاوبها معه؛ ليعود لحملها؛ لكنه سرعان ما يلقيها على الأرض؛ ليرى هل ستنفجر كما حـدث معه سابقاً أم لا، ثم تدفعه طفولته للاقتراب أكثر وهو يمسك بيد والده، وكأنه يستمد منه الشجاعة وعدم الهروب مجدداً من لعبته، التي تبقى مخيفة بالنسبة له.

ومما يجدر ذكره، أن فريق عمل مشروع مسام "وهو مشروعٌ سعودي يُعنى بنزع الألغام في اليمن"، يواصل عمله منذ منتصف العام 2018م على تطهير الأراضي اليمنية من الألغام.

وقد تمكن الفريق حتى تاريخ اليوم، من إزالة وتدمير أكثر من 390 ألف لغم مضاد للدبابات، وألغام أفراد، وعبوات ناسفة، وذخائر غير منفجرة، من المناطق المحررة في اليمن، والتي تم تطهير 45,099,301 متر مربع منها.